للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر، أو ولدوا على الإسلام والتزموا شرائعه وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله، فهم مسلمون وعندهم إيمان مجمل، ولكن دخول حقيقة الإيمان في قلوبهم إنما يحصل لهم شيئاً فشيئاً إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثير من الناس لا يصلون لا إلى اليقين، ولا إلى الجهاد، ولو شُكّكوا لشكّوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفاراً ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب١، ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله، ما يقدمونه على الأهل والمال، وهؤلاء إن عوفوا من المحنة وماتوا دخلوا الجنة، وإن ابتُلوا بمن يورد عليهم شبهات توجب ريبهم، فإن لم ينعم الله عليهم بما يزيل الريب وإلا صاروا مرتابين، وانتقلوا إلى نوع النفاق ... فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق، ماتوا على هذا الإسلام الذي يثابون عليه، ولم يكونوا من المؤمنين حقاً الذين امتحنوا فثبتوا على الإيمان، ولا من المنافقين حقاً الذين ارتدوا عن الإيمان بالمحنة، وهذا حال كثير من المسلمين في زماننا، وأكثرهم إذا ابتلوا بالمحن التي يتضعضع فيها أهل الإيمان، ينقص إيمانهم كثيراً، وينافق أكثرهم أو كثير منهم، ومنهم من يُظهر الردة، إذا كان العدو غالباً، وقد رأينا ورأى غيرنا من هذا ما فيه عبرة، وإذا كانت العافية، أو كان المسلمون ظاهرين على عدوهم كانوا مسلمين، وهم مؤمنون بالرسول باطناً وظاهراً، لكن


١ الريب: يكون في علم القلب ويكون في عمل القلب، بخلاف الشك فإنه لا يكون إلا في العلم. انظر: كتاب الإيمان لابن تيمية ص٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>