إن معرفة الكنى من العلوم التي تمس إليها الحاجة وخاصة عند المحدثين، ولذلك أعطوها من العناية البالغة ما تستحق، فبذلوا ما بوسعهم لتمحيصها وتعيين أصحابها، ودققوا النظر فيها كثيراً، فأحاطوا بجميع جزئياتها.
وإن هذا الاهتمام يدل على أهمية هذا العلم وما يترتب عليه، ومن المعلوم أن السند الصحيح المتصل في هذه الأمة يعتبر من خصائصها، لا تشاركها فيه أمة أخرى، فقد حفظت شريعتها وأحكام دينها وتناقلتها الأجيال الأولى بالسند المتصل إلى المُشَرِّع دون انقطاع، لذلك فقد اعتم علماء الحديث بدراسة السند والعناية بكل ما يتعلق به.
وعناية المحدثين بالكنى ترجع إلى الأخطاء الجسيمة التي تترتب على الجهل بها حيث أن الراوي يذكر مرة باسمه، ومرة بكنيته، فيظنها من لا معرفة له رجلين، وربما ذكر بهما معاً فيتوهم أنهما رجلين، ومثال ذلك:
"الحديث الذي رواه الحاكم في المعرفة من رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن أبي الوليد عن جابر مرفوعاً: "من صلى خلف الإمام فإن قراءته له قراءة" (١) ، وقال: قال الحاكم: عبد الله بن شداد هو أبو الوليد، بيَّنه ابن المديني.
وقد اشتهر بعض الرواة لكناهم فورد ذكرهم في أسانيد الأحاديث دون التصريح بأسمائهم أو بالتصريح بها مرة، وإغفالها والاكتفاء بالكنية مرة أخرى، وقد بيّن هذا الإمام الذهبي في مقدمة كتابه "المقتنى" -الذي بأيدينا- فقال: "فإن الناس أقسام، منهم من اسمه كنيته، أو لا يعرف بغير كنيته، ومنهم
١ والحديث ضعيف، تكلم عليه محقق سنن الدارقطني ١/٣٢٣، والبيهقي في المعرفة، والزيلعي في نصب الراية ٢/٧.