فكثرت المناكير في روايته ومن ثم صار الاعتماد في رواية ابن لهيعة علي ما في أصوله وكتبه لأن هذه الأحاديث التي أدخلت عليه ليست من حديثه وإن لقنها فأجازها وقرأها غلطا ووهما فلا يصح إسنادها لابن لهيعة وعزوها إليه علي أنها من روايته عن شيوخه. ومن ثم يظهر معني قولهم: "ما رواه ابن المبارك مثلا عن ابن لهيعة فهو من صحيح حديثه" أو "ما رواه ابن المبارك مثلا عن ابن لهيعة صحيح".فالصحة هنا لا تعني تصحيح الحديث إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وإنما تعني صحة هذا الحديث من رواية ابن لهيعة عن شيوخه ووجوده في أصول ابن لهيعة. أي: لم يدخل عليه أو علي كتبه وإنما تلقاه عن شيوخه فهو صحيح الأصل أما هذه الأحاديث التي لقنها أو أدخلت عليه فلا أصل لها من روية ابن لهيعة عن شيوخه. ونقاد الحديث قد يطلقون الصحة ويريدون بها صحة المخرج لا صحة نسبة الحديث إلي النبي صلي الله عليه وسلم١.هذا ولا يصح وصف ابن حبان لابن لهيعة بالتدليس فقد مضي في كلام أحمد بن صالح المصري رحمه الله أن إسقاط الواسطة بينا بن لهيعة ومن فوقه من تلامذة ابن لهيعة وليس منه. وقال ابن مهدي: كتب لي ابن لهيعة كتابا فيه " ثنا" عمرو بن شعيب قال عبد الرحمن: فقرأته علي ابن المبارك فأخرجه إلي ابن المبارك من كتابه عن ابن لهيعة قال أخبرني إسحاق بن أبي فروة عن عمرو بن شعيب كما في شرح العلل لابن رجب "١/٤٢٠" وفيه أيضا: " قال أحمد كان ابن لهيعة يحدث عن المثني بن الصبح عن عمرو بن شعيب وكان بعدلايحدث بها عن عمروا بن شعيب نفسه". ففي قول ابن مهدي وأحمد رحمهما الله أن ذلك من ابن لهيعة نفسه فيحمل ذلك علي أن بعض ما وقع من ذلك من هو وبعضه من تلامذته فما كان من تلامذته فظاهر أن لا ذنب له فيه ولا يرمي باتدليس بسبب ذلك وما كان منه هو فمرده إلي ضعفه وسوء حفظه. ولذلك قال الحاكم: "لم يقصد الكذب وإنما حدث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ". ولابد من التدليس من قصد الإيهام أما ابن لهيعة فقد أتي من سوء ضبطه وضعفه فلا يصح إذا اتهامه بالتدليس. وكلامهم في ترجمته يظهر لك ضعفه من بدايته لكن احتمل في أول أمره لاعتماده علي كتبه فلما احترقت كتبه صار يحدث علي الوهم والغلط فجاءت المناكير في روايته بعضها من قبله وبعضها من قبل تلامذته والله تعالي أعلم وهو حسبي. ١ يعني: الثوري وابن رمح. وراجع: تاريخ وفاتيهما في "التهذيب".