للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إباحة، وظاهره أن له أخذ ما شاء، وما قاله العبادي أحوط.

وفي الأنوار، لو قال: أبحث لك ما في داري، أو ما في كرمي من العنب فله أكله دون بيعه وحمله، وإطعامه لغيره، وتقتصر الإباحة على الموجود في الدار أو الكرم، ولو قال: أبحث لك جميع ما في داري أكلا واستعمالا، ولم يعلم المبيح لم تحصل الإباحة.

ومتى قلنا: لا تصح الهبة في غير المقدور عليه، أو فيما لا يمكن تسليمه كالجمل الشارد والمغصوب لغير غاصبه ممن لا يقدر على أخذه، فإن عدم الصحة مردها إلى أن الهبة عقد يفتقر إلى القبض، فلم يصح في ذلك كالبيع.

متى يثبت الملك في الهبة؟

الهبة لا تملك إلا بالقبض لما روت عائشة رضي الله عنها، "أن أباها نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله، فلما حضرته الوفاة، قال: يا بنية. إن أحب الناس غنى بعدي لأنت، وإن أعز الناس علي فقرا بعدي لأنت، وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا من مالي، ووددت لو أنك جذذته، وحزته وإنما هو اليوم مال الوارث"١.

قال الشافعي رضي الله عنه في الأم: بلغنا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه نحل عائشة أم المؤمنين جذاذ عشرين وسقا من نخل له بالعالية، فلما حضره الموت قال لعائشة: إنك لم تكوني قبضتيه، وإنما هو مال الوارث، فصار بين الورثة؛ لأنها لم تكن قبضته.

ويشترط في صحة الهبة أن يكون القبض بإذن الواهب؛ لأن الواهب بالخيار قبل القبض إن شاء أقبضها وأمضاها، وإن شاء رجع فيها ومنعها، فإن قبضها الموهوب له قبل إذنه لم تتم الهبة، ولم يصح القبض؛ ولأن


١ رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب، عن عورة عن عائشة، ورواه البيهقي من طريق ابن وهب، عن مالك وغيره عن ابن شهاب.. "التلخيص الحبير ج٣ ص٧٢، ٧٣".

<<  <   >  >>