للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الغرض من الآية الكريمة، إنما هو التنفير في أكل الربا، ولفت نظر المرابين لما عساه أن يئول إليه أمر الربا من التضعيف، الذي قد يستغرق مال المدين، فيصبح لمرور الزمن، وتراكم فوائد الربا فقيرا بائسا عاطلا في هذه الحياة بسبب هذا النوع الفاسد من المعاملة، وفي ذلك من الضرر على نظام العمران ما لا يخفى، ولا يكاد يتصور عاقل أن الله تعالى ينهى عن ثلاثة أضعاف، ولا ينهى عن الضعفين أو الضعف، على أنه لا يمكن لعاقل أن يفهم هذا المعنى بعد قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} ١.

الشبهة الثانية: وهي أن القرض بفائدة ليس من باب الربا؛ لأن الربا عقد بيع لا بد له من صيغة، أو ما يقوم مقامها، وما يتعامل به الناس الآن من أخذ مال قرضا بفائدة ليس ببيع إذ لا عقد هناك، وهذا صحيح؛ لأن الشافعية هم القائلون بذلك، ولكن غير صحيح أنهم لا يحرمون هذه العملية، فهم وإن قالوا: إن مثل ذلك ليس بعقد أيضا: إنه من باب أكل أموال الناس بالباطل، أو أن مضار الربا الذي حرم من أجلها متحققة فيه، فحرمته كحرمة الربا وإثمه كإثمه. فتحريم القرض بفائدة ثابت على أي وجه من الوجوه.

الشبهة الثالثة: أن العرب ما كانت تفرق بين البيع والربا، فكانت تحسبهما من نوع واحد، فجاء الإسلام ليبين لهم أن الزيادة التي تؤخذ على رأس المال بالبيع مختلفة عن التي تؤخذ على رأس المال في نظير الأجل، وأن الأولى مشروعة، والثانية غير مشروعة: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} ٢، وهذه الشبهة لا زالت قائمة إلى اليوم، فإن


١ من الآية "٢٧٩" من سورة البقرة.
٢ من الآية "٢٧٥" من سورة البقرة.

<<  <   >  >>