للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

من يفعل الخيرَ لا يعدمْ جوازيهُ ... لا يذهبُ العرفُ بينَ اللهِ والناسِ

قال أبو حاتم سهل بن محمد: سمعت الأصمعي يتعجبُ من جودةِ هذا البيت، وقال: جاء بمثلين في بيت واحد. وقال: مثلُ هذا في الجودة بيت النابغة:

جيشٌ يظلُّ به الفضاءُ معضلاً ... يذرُ الإكامَ كأنهنَّ صحارى

الفضاء من الأرض: البارزة التي ليس فيها جبل.

دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها ... واقعدْ فإنكَ أنتَ الطاعمُ الكاسي

وابعثْ يساراً إلى وفرٍ مذممة ... واحدجْ إليها بذي عركينِ قنعاسِ

أي إلى إبلٍ موفورة. مذممة: لا يعطى منها أحد شيئاً، ولا يمنحُ ولا يقرى منها ضيفٌ. والذمُّ في المعنى يقع على صاحب هذه الإبل الوافر. واحدج إليها بعيراً ذا عركين، والعركان مثل الضاغطين. وقنعاس: شديد. والحداجة: مركب.

قد ناضلوكَ فأبدوا من كنائنهم ... مجداً تليداً ونبلاً غيرَ أنكاسِ

أي لما رميتَ ورموا فلجوا عليك، وجاءوا بما لم تجئ به، كأنهم فاخروه فرجحوا عليه بآبائهم وأجدادهم. وضرب النبل والكنانة مثلاً.

وقال أبو الهيثم خالد بن كلثوم: النكس من السهام: المنكوس الذي جعل أعلاه أسفله؛ فهو ضعيف أبداً، فأراد أن ما افتخروا به ورموك به من فخرهم كان قوياً كنبلٍ ليست بأنكاسٍ.

ما كان ذنبيَ أن فلتْ معاولكمْ ... من آل لأيٍ صفاةٌ أصلها راسي

الراسي: الثابت. أي ما كان ذنبي أن أردتموهم فلم تعمل محافركم فيهم.

فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب، فرفعه عمر إليه واستنشده، فأنشده، فقال عمر لحسان بن ثابت: أتراه هجاه؟ فقال: نعم، وسلح عليه. فحسبه عمر.

فقال وهو في الحبس:

ماذا تقولُ لأفراخٍ بذي مرخِ ... زغبِ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ

ألقيتَ كاسبهمْ في قعرِ مظلمةِ ... فاغفر عليكَ سلامُ اللهِ يا عمرُ

أنتَ الإمامُ الذي منْ بعدِ صاحبهِ ... ألقى إليه مقاليدَ النهى البشر

ما آثروكَ بها إذ قدموكَ لها ... لكنْ لأنفسهم كانتْ بك الإثرُ

الإثرة: الخاصة. آثره إيثاراً: خصهُ دون غيره. واستأثر بكذا: اختص به نفسه. ويقال: من يملك يستأثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>