جواب الحارثة عنه أنه أواناً يزعم أنه من بني ضبيعة وأواناً يزعم أنه من بني يشكر. فقال عمرو إلا كالساقط بين الفراشين. فبلغ ذلك المتلمس؛ فقال يذكر نسبه ويثبته:
يعيرني أمي رجالٌ ولا أرى ... أخا كرمٍ إلا بأن يتكرما
ومنْ كان ذا عرضٍ كريمٍ فلم يصنْ ... لهُ حسباً كانَ اللئيمَ المذمما
ويروى: الملوما. ويروى: ومن كان ذا مالٍ كثير. والعرض: موضع المدح والذم من الرجل. يقال: إنه كريم العرض، ولئيم العرض. والعرض: الجسد. يقال: إنه لطيب العرض وخبيث العرض. والحسب: كرم الفعل من الإنسان وإن لم يكن له أبٌ في الشرف والمجد. ويقال: افعل ذلك على حسب ما ترى؛ أي على قدره مفتوح.
أحارثُ إنَّا لو تساطُ دماؤنا ... تزايلنَ حتى لا يمسَّ دمٌ دمَا
أمنتفيَا منْ نصرِ بهثةَ خلتني ... ألا إنني منهم وإنْ كنتُ ينما
ويروى: أمنتفلاً. يقال: انتفلَ من ذلك الأمر وانتفى منه. ويقال للرجل يرمي بشيءٍ: انفلْ ذاك عن نفسك. بهثة: ابن الحارث بن وهب بن جلي بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار.
يريد أنا منهم وإن كنتُ أينما كنت. فاقتصر، كما قال النمر:
فإنَّ المنيةَ منْ يخشها ... فسوف تصادفه أينما
أراد أينما حل وصار.
ألا إنني منهم وعرضيَ عرضهمْ ... كذي الأنفِ يحمي أنفهُ أن يصلمَا
يقال: جدع أنفه إذا قطع طرفه وكشمه، وأوعبه، واستوعبه، وصلمه: إذا استأصلهُ. ويقال: اصطلم أنفه، واجتثه، واقتلعه، واقتبهُ، واجتلمه؛ هذه الأربعةُ الألفاظِ للأنفِ دونَ الأذنِ.
وعرضي عرضهم:
يقول: من سبهم فأنا أحمي حماهم كما يحمي ذو الأنف أنفه أن يقطع.
وإن نصابي إنْ سألتَ وأسرتي ... منَ الناسِ حيٌّ يقتنونَ المزنمَا
النصاب: الأصل. والأسرة: العشيرة الذين أسربهم؛ أي قوى. والتزنيم: أن تشقَّ أذنُ البعير من أعلاها شقين أو ثلاثة، ثم تترك تنوس معلقةً فذلك التزنيم؛ والترعيل مثله، يقال: زنمها ورعلها.
وكنا إذا الجبارُ صعرَ خدهُ ... أقمنا لهُ من خدهِ فتقومَا
الصعر الميل. والعرب تقول: والله لأقيمن صعره وصيده وقذله وصغاه وأدده، ويقال: أود العود، وأدِدَ وعوج وعَصِل: إذا اعوجَّ.
لذى الحلمِ قبلَ اليومِ ما تقرعُ العصَا ... وما علمَ الإنسانُ إلا ليعلمَا
قيل: إنما عرض بالحارث بن التوأم في هذا؛ أي قد قرعتك بهذا الكلام كما كان يصنع بعامر بن الظرب العدواني. وكان من حكماءِ العرب وأربى على مائتي عام؛ أي زاد عليها، فكان ربما هفا في محاورته فتقرع له العصا بجفنة فيرتدع ويعلم أنه قد جار عن الطريق فصار مثلاً.
وقيل: إن الذي قرعتْ له العصا عالم من علماء اليمن يقول اليمانون: هو عمرو بن حممة الدوسيّ من رهط بي هريرة.
وربيعة تقول: الذي قرعت له العصا قيس بن خالد بن عبد الله بن ذي الجدين.
وقيس تقول: هو عامرُ بن الظرب. وهذا أصح الأقوال وأكثر على أفواه العلماء.