للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدقيق والإلزامات القوية والفروق اللطيفة والاستفراقات المحتاج إليها.

كان يخوض في علوم العربية وغيرها بحثا وجمعا وتحصيلا واعتنى بحفظ الوسيط في المذهب للإمام أبي حامد الغزالي رحمه اللَّه فكنت ألقى عليه لوظيفة اليوم ورقتين إلى ثلاث نظرا أو عن ظهر القلب فيحفظ ويضبط في الحال وكان معظم أنسه بالتكرار ومطالعة الكتب وإدمان النظر فيها واشتغال على بغيته بالخلوة وقل مَا كان يخالط الناس فكأنه أثر ذلك في دماغه وأفضى الأمر به إلى بعض الاختلال في أقواله وأفعاله.

كتب إلي بذلك وأنا حينئذ بالري فبادرت إليه واطلعت على الحال وصعب علي مَا ألفيته فاستصحبته معي ولم آل جهدا في المعالجة وترتيب الطيب والمتعهد والسعي في استصلاحه بما قدرت عليه ولكنه لم ينجح فيه {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} وبقي على ذلك الاختلال ثلاثا وعشرين سنة فصاعدا وكانت أحواله يختلف فيها سكونا وهيجانا وقوة وضعفا ونحافة وعيالة وزهادة ورغبة إلا أنه كان ينتظف.

كان رحمه اللَّه زمان استقامته حييا رفيقا متعبدا جميل السيرة ولو قلت أنه لم يرتكب كبيرة مدة عمره لم أتخط الصدق والمدة التي كان مكلفا فيها وهي مَا بين زمان الصغر وزمان الاختلال لا تطول ثم اعترته بالآخرة أسقام لقي فيها أشهر أو ظهر في خلالها بندقة قروح أنحلته وانتقل إلى جوار رحمة اللَّه مطهرا مكفرا سحر يوم الخميس السادس عشر

<<  <  ج: ص:  >  >>