للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكتب إلى من بعث إليه من جميع المرتدين.

وهذا نص الكتاب الذي أرسله أبو بكر إلى المرتدين من العرب وأعطى كل أمير نسخة منه:

بسم الله الرحمن الرحيم

من أبي بكر حليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة، أقام على إسلامه أو رجع عنه، سلام على من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، نقر بما جاء به ونكفر من أبى ونجاهده١.

أما بعد، فإن الله أرسل محمدا بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فهدى الله بالحق من أجاب إليه وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذنه من أدبر عنه حتى صار إلى الإسلام طوعا أو كرها، ثم توفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم وقد نفذ أمر الله ونصح لأمته وقضى الذي عليه، وكان الله قد بين له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل، فقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: ٣٠] ، وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: ٣٤] ، وقال للمؤمنين: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: ١١٤] ، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله له بالمرصاد، حي قيوم لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم، حافظ لأمره، منتقم من عدوه يجزيه، وإني أوصيكم بتقوى الله، وحظكم ونصيبكم من الله، وما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم وأن تهتدوا بهداه، وأن تعتصموا بدين الله فإن كل من لم يهده الله ضال وكل من لم يعافه مبتلى، وكل من لم يعنه الله مخذول، فمن هداه الله كان مهتديا ومن أضله كان ضالا، قال الله تعالى: {نْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً} [الكهف: ١٧] ، ولم يقبل منه في الآخرة صرف ولا عدل، وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغترارا بالله وجهالة بأمره وإجابة للشيطان، قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف: ٥١] ، وقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: ٦] ، وإني بعثت إليكم - فلانا - في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان وأمرته أن لا يقاتل أحدا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحا قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرته أن يقاتله على ذلك ثم لا يبقى على أحد منهم قدر عليه وأن يحرقهم بالنار ويقتلهم كل قتلة، وأن يسبي النساء والذراري ولا يقبل من أحد إلا الإسلام، فمن اتبعه فهو خير له ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم، والداعية الأذان، فإذا أذن المسلمون فأذنوا


١- تاريخ الطبري: ٢ / ٢٥٧، البداية والنهاية: ٦/٣١٥.

<<  <   >  >>