للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام١

موقعة اليرموك

كان اهتمام أبي بكر الصديق بغزو الشام أشد من اهتمامه بالعراق، لذلك عول على استدعاء خالد بن الوليد وأمره بالمسير وأن يأخذ نصف الناس ويستخلف على النصف الآخر المثنى بن حارثة الشيباني ووعده بأنه إذا انتصر في الشام أعاده إلى العراق، ثم بدأ خالد يختار جيشه فاستأثر خالد بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على المثنى وترك للمثنى عددهم من أهل القناعة ممن ليس له صحبة، ثم قسم الجند نصفين فقال المثنى: والله لا أقيم على إنفاذ أمر أبي بكر وبالله ما أرجو النصر إلا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، خرج معه ٩٠٠٠ وصاحبه المثنى إلى حدود الصحراء ليودعه.

سار خالد بجيشه فلما وصل إلى قراقر وهو ماء لكلب أغار على أهلها وأراد أن يسير عنهم مفوزا إلى سوى وهو ماء لبهراء، ثم أتى أراك فصالحوه، ثم أتى تدمر ففتحها صلحا وذلك أنه لما مر بها في طريقه تحصن أهلها منه فأحاط بهم من كل وجه فلم يقدر عليهم، ولما أعجزه الرحيل قال: يا أهل تدمر والله لو كنتم في السحاب لا ستنزلناكم ولأظهرنا الله عليكم ولئن أنتم لم تصالحوا لأرجعن إليكم إذا انصرفت من وجهي هذا ثم لأدخلن مدينتكم حتى أقت مقاتليكم وأسبي ذراريكم.

فلما ارتحل عنهم بعثوا إليه وصالحوه على ما أدوه له ورضي به، ثم أتى خالد القريتين فقاتلهم فظفر بهم وغنم وأتى حوارين، فقاتل أهلها وهزمهم وقتل وسبى وأتى قصم - وهي موضع بالبادية قرب الشام من نواحي العراق - فصالحه مشجعة من قضاعة وسار فوصل ثنية العقاب - وهي ثنية مشرفة على غوطة دمشق يطؤها القاصد من دمشق إلى حمص - ناشرا رايته العقاب وهي راية سوداء، ثم سار فأتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم فقاتل وأرسل سرية إلى كنيسة بالغوطة فقتلوا الرجال وسبوا النساء وساقوا العيال إلى خالد ثن سار حتى وصل بصرى فقاتل من بها فظفر بهم وصالحهم فكانت بصرى أول مدينة فتحت بالشام على يد خالد وأهل العراق وبعث بالأخماس إلى أبي بكر ثم سار فطلع على المسلمين في ربيع الآخر باليرموك فوجدهم يقاتلون الروم متساندين كل أمير على جيش: أبو عبيدة على جيش ويزيد بن أبي سفيان على جيش وشرحبيل ابن حسنة على جيش وعمرو بن العاص على جيش، فقال خالد:

إن هذا اليوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي فأخلصوا لله جهادكم وتوجهوا لله تعالى بعملكم فإن هذا يوم له ما بعده وإن من وراءكم لو يعلم عملكم حال بينكم وبين هذا، فاعلموا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه هو الرأي من واليكم.


١- تاريخ الطبري: ٢/٤٤٥. البداية والنهاية: ٧/٥٣.

<<  <   >  >>