عزلتك فعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك مثل الذي من ظاهرك وإن أولى الناس بالله أشدهم توليا له وأقرب الناس من الله أشدهم تقربا إليه بعمله وقد وليتك عمل خالد فإياك وعبية الجاهلية فإن الله يبغضها ويبغض أهلها وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه وإذا وعظتهم فأوجز فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضا وأصلح نفسك يصلح لك الناس وصل الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم وأقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به ولا ترينهم فيروا خيلك ويعلموا علمك وأنزلهم في ثروة عسكرك وامنع من قبلك من محادثتهم وكن أنت المتولي لكلامهم ولا تجعل سرك لعلانيتك فيختلط أمرك وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك واسمر بالليل في أصحابك تأتك الأخبار وتنكشف عنك الأستار وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك فمن وجدته غفل عن حرسه فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط وأعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة فإنهما أيسرهما لقربهما من النهار ولا تخف من عقوبة المستحق ولا تلجن فيها ولا تسرع إليها ولا تخذلها مدفعا ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسدهم ولا تتجسس عليهم فتفضحهم ولا تكشف الناس عن أسرارهم واكتف بعلانيتهم، ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق والوفاء وأصدق اللقاء ولا تجبن فيجبن الناس، واجتنب الغلول١ فإنه يقر بالفقر ويدفع النصر وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعهم وما حبسوا أنفسهم له.
وهذه من أحسن الوصايا وأكثرها نفعا لولاة الأمر فإنه يذكر فيها واجبات القائد نحو جنده ونحو عدوه ومنع تعرض القائد للمتدينين الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع احتراما لدينهم.
وقد انقسم الجيش إلى ثلاثة أقسام كل قسم مؤلف من ٥٠٠٠ مقاتل وأمر على اثنين منهما شرحبيل بن حسنة الذي كان قد قدم من عند خالد بن الوليد إلى أبي بكر وعلى الثالث عمرو بن العاص وعين لكل جيش وجهته في الشام فوجه عمرا إلى أيلة على رأس خليج العقبة، ومن ثم لغزو جنوب الشام أو فلسطين ووجه يزيد وشرحبيل إلى تبوك ثم غزوا أوساط الشام، وحمل معاوية بن أبي سفيان لواء أخيه يزيد وانضم خالد بن سعيد متطوعا إلى جيش شرحبيل وكان تعيين الأمراء الثلاثة في شهر صفر سنة ١٣هـ - نيسان إبريل سنة ٦٣٤ م، ثم لما وصلت الجيوش الأخرى إلى المدينة أرسلهم أبو بكر لإمداد جيوش الشام وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وعلى ذلك كان عدد الجيوش التي أرسلت أربعة وكان أبو عبيدة أميرا عليهم جميعا وبلغ عدد الجيش الزاحف ٢٤٠٠٠ بما في ذلك جيش عكرمة، وخرج نحو ألف من الصحابة في جيش الشام ومن بينهم ١٠٠ ممن شهدوا موقعة بدر بخلاف جيش العراق فإن المهاجرين لم يقاتلوا فيه.
سار أبو عبيدة على باب من البلقاء فقاتله أهله ثم صالحوه فكان أول صلح في الشام.