للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأصحابه: "رمتكم مكة بأفلاذ كبدها" ١ وذلك لرفعة شأنهم في قريش.

قال خالد بن الوليد: لما أراد الله عز وجل بي ما أراد من الخير قذف في قلبي الإسلام وحضر لي رشدي وقلت قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد فليس موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء وأن محمدا يظهر. فلما جاء لعمرة القضية تغيبت ولم أشهد دخوله وكان أخي الوليد بن الوليد دخل معه فطلبني فلم يجدني فكتب إلي كتابا فإذا فيه: ٢

بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك أو مثل الإسلام يجهله أحد؟ قد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك، فقال أين خالد؟ فقلت يأتي الله به، فقال: ما مثله يجهل الإسلام ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له ولقدمناه على غيره، فاستدرك يا أخي قد فاتك من مواطن صالحة.

فلما جاءني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرتني مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة، فلما أجمعت على الخروج إلى المدينة لقيت صفوان بن أمية فقلت: يا أبا وهب أما ترى أن محمدا ظهر على العرب والعجم؟ فلو قدمنا عليه واتبعناه فإن شرفه شرف لنا؟ فقال: لو لم يبق غيري ما اتبعته أبدا، فقلت هذا رجل قتل أخوه وأبوه ببدر، فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له: مثل ما قلت لصفوان فقال مثل الذي قال صفوان، قلت: فاكتم ذكر ما قلت لك، قال لا أذكره، ثم لقيت عثمان بن طلحة الحجبي، قلت: هذا لي صديق فأردت أن أذكر له، ثم ذكرت قتل أبيه طلحة وعمه عثمان وإخوته الأربعة: مسافع والجلاس والحارث وكلاب فإنهم قتلوا كلهم يوم أحد فكرهت أن أذكر له، ثم قلت له: إنما نحن بمنزلة ثعلب في حجر لو صب فيه ذنوب من الماء لخرج، ثم قلت له: ما قلت لصفوان وعكرمة فأسرع الإجابة وواعدني إن سبقني أقام بمحل كذا وإن سبقته إليه انتظرته فلم يطلع الفجر حتى التقينا فعدونا حتى انتهينا إلى الهدة - اسم محل - فوجدنا عمرو بن العاص بها، فقال: مرحبا بالقوم فقلنا وبك قال أين مسيركم؟ قلنا: الدخول في الإسلام فقال: وذلك الذي أقدمني.

فوصلوا المدينة وقال خالد: فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيت أخي فقال: أسرع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سر بقدومكم وهو ينتظركم فأسرعنا المشي فأطلعت عليه فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال: "الحمد لله الذي هداك وقد كنت أرى لك عقلا رجوت أل يسلمك إلا إلى خير" ٣ قلت: يا رسول الله ادع الله يغفر تلك المواطن التي كنت أشهدها عليك، فقال صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يجب ما كان قبله " ٤ وتقدم عثمان بن طلحة وعمرو فأسلما وقد شهد


١- الاستيعاب: ٣/١١٨٥.
٢ البداية والنهاية: ٤/٢٣٩.
٣- الطبقات الكبرى: ٤/٢٥٢.
٤- أخرجه أحمد في كتابه " المسند " " الحديث: ٤/١٩٨"، وذكره القرطبي في تفسيره " الحديث: ١/٢٠٠"

<<  <   >  >>