٢ "يأخذون أذناب البقر والبَريّة"، أي: أنّ فرقة يعرضون عن المقاتلة هرباً منها وطلباً لخلاص أنفسهم ومواشيهم، ويحملون على البقرة، فيهيمون في البوادي ويهلكون فيها. أو يعرضون عن المقاتلة ويشتغلون بالزّراعة ويتبعون البقر للحراثة إلى البلاد الشّاسعة فيهلكون. ٣ "وفرقة يأخذون لأنفسهم"، أي: يطلبون أو يقبلون الأمان من بني قنطوراء. ٤ "وفرقة يجعلون ذراريهم"، أي: أولادهم الصّغار والنّساء خلف ظهورهم ويقاتلونهم وهم الشّهداء، أي: الكاملون، قال القاري: وهذا من معجزاته ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، فإنّه وقع كما أخبر، وكانت هذه الواقعة في صفر سنة ستٍّ وخمسين وستمائة. اهـ. ٥ مسند الإمام أحمد، ج ٥، ص: ٤٥، ولفظ الحديث فيه: عن أبي بَكَرَة، قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "لَيَنْزِلَنَّ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي أَرْضاً يُقَالُ لَهَا: الْبَصْرَةُ، يَكْثُرُ بِهَا عَدَدُهُم، وَيَكْثُرُ بِهَا نَخْلُهُم، ثُمَّ يَجِيءُ بَنُو قَنْطُورَاء: عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى جِسْرٍ لَهُمْ، يُقَالُ لَهُ: دِجْلَةَ، فَيَتَفَرَّقُ الْمُسْلِمُونَ ثَلاَثَ فِرَقٍ، فَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَأْخُذُونَ بِأَذْنَاب الإبل، وَتَلْحَقُ بِالْبَادِيَة، وَهَلَكَتْ، وأَمَّا فِرْقَةٌ فَتَأْخُذُ عَلَى نَفْسِهَا فَكَفَرَتْ، فَهَذِه وَتِلْكَ سَوَاءٌ، وَأَمَّا فِرْقَةٌ فَيَجْعَلُون عِيَالَهُم خَلْفَ ظُهُورِهِم، وَيُقَاتِلُونَ، فَقَتْلاَهُم شُهَدَاءُ، وَيَفْتَحُ الله عَلَى بَقِيَّتِهَا". ولفظ أحمد هذا يدلّ صراحةً على: أنّ التّرك هم الذين يسوقون المسلمين ثلاث مرار، حتّى يلحقوهم بجزيرة العرب، ففي السياقة الأولى ينجو مَن هرب من المسلمين. وفي الثّانية ينجو بعض منهم، ويهلك بعض. وفي الثّالثة يستأصلون كلّهم. وهذا السّياق مخالف لما رواه أبو داود في الحديث رقم: (١٠٩) ؛ إذ إنّ لفظ أبي داود، يدلّ صراحةً على أنّ المسلمين هم الذين يسوقون التّرك ثلاث مرار، حتّى يلحقوهم بجزيرة العرب ... الخ. قال صاحب عون المعبود بشرح سنن أبي داود: "وعندي: أنّ الصّواب رواية أحمد، وأمّا رواية أبي داود، فالظّاهر أنّه قد وقع الوهم فيه من بعض الرّواة، ويؤيّده: أنّه وقع الشّكّ لبضع رواة أبي داود، ولذا قال في آخر الحديث: "أو كما قال"، ويؤيّده أيضاً أنّه وقعت الحوادث على نحو ما ورد في رواية أحمد". انظر: عون المعبود ج ١١، ص: ٤١٣.