وذكره ابن ماجه في سننه ج٢، كتاب الفتن، باب فتنة الدّجّال ص:١٣٥٦. ٢ "الدّجّال"، قال ثعلب: كلّ كذّابٍ فهو دجّال. وقيل: الدّجّال المموَّه. يقال: دجل فلان إذا مَوَّه، ودجل الحقّ بباطله، إذا غطاه. وحكى ابن فارس هذا الثّاني عن ثعلب أيضاً. اهـ. من شرح مقدمة مسلم للنّووي ص: ٧٩. وسُمِّيَ بالمسيح؛ لأنّه ممسوح العين، وقيل: لأنّه أعور، والأعور يُسَمَّى مسيحاً. وقيل: لمسحه الأرض حين خروجه. وأكثر العلماء على أنّ ضبط الاسم بفتح الميم وكسر السين، ولا فرق بينه وبين اسم عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ في اللّفظ، ولكن عيسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ مسيح هدى. والدّجّال مسيح ضلالة. ورواه بعض الرّواة بكسر الميم والشّين المشدّدة، وقاله غير واحدٍ كذلك. إلاّ أنّه بالخاء المعجمة. وقال بعضهم: بكسر الميم وتخفيف السّين. اهـ. شرح النّووي لمسلم ج ٢، ص: ٢٣٤. قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ: "هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصّة الدّجّال حجّة لمذهب أهل الحقّ في صحّة وجوده، وأنّه شخص بعينه، ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى، من: إحياء الميّت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدّنيا والخصب معه، وجنته وناره ونهريه، واتّباع كنوز الأرض له، وأمره السّماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كلّ ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك، فلا يقدر على قتل ذلك الرّجل ولا غيره، ويبطل أمره ويقتله عيسى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ويثبت الله الذين آمنوا". هذا مذهب أهل السّنة وجميع المحدِّثين والفقهاء والنّظّار، خلافاً لِمَن أنكره وأبطل أمره ـ من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة ـ في أنّه صحيح الوجود، ولكن الذي يدّعي مخارف وخيالات لا حقائق لها، وزعموا أنّه لو كان حقّاً لم يوثق بمعجزات الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، وهذا غلط من جميعهم؛ لأنّه لم يدع النّبوّة فيكون ما معه كالتّصديق له، وإنّما يدّعي الألوهية، وهو في نفس دعواه مكذّب لها بصورة حاله، ووجود دلائل الحدوث فيه، ونقص صورته، وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه، وعن إزالة الشّاهد بكفره المكتوب بين عينيه. ولهذه الدّلائل وغيرها لا يغترّ به إلاّ رعاع من النّاس لسدّ الحاجة والفاقة، رغبة في سدّ الرمق، أو تقية وخوفاً من أذاه؛ لأنّ فتنته عظيمة جدّاً، تدهش العقول وتحير الألباب، مع سرعة مروره في الأمر، فلا يمكث بحيث يتأمّل الضّعفاء حاله، ودلائل الحدوث فيه والنّقص. فيصدّقه مَن صدّقه في هذه الحالة. ولهذا حذّرت الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ من فتنته، ونبّهوا على نقصه ودلائل إبطاله. وأمّا أهل التّوفيق فلا يغترّون به، ولا يخدعون بما معه، لما ذكرناه من الدّلائل المكذِّبة له، مع ما سبق لهم من العلم بحاله، ولهذا يقول الذي يقتله ثم يحييه: ما ازددت فيك إلاّ بصيرةً. هذا آخر كلام القاضي-رحمه الله-اهـ. نووي ج ١٨، ص: ٥٨، ٥٩.