قال شيخنا الإمام أبو عبد الله ابن مالك ـ رحمه الله ـ: الحاجة داعية إلى الكلام في لفظ الحديث ومعناه. فأمّا لفظه: فلكونه تضمّن ما لا يعتاد من إضافته أخوف إلى ياء المتكلّم مقرونة بنون الوقاية، وهذا الاستعمال إنّما يكون مع الأفعال المتعدية. والجواب: إنّه كان الأصل إثباتها، ولكنّه أصل متروك. ثم قال: ولأفعل التّفضيل أيضاً شبه بالفعل وخصوصاً بفعل التّعجّب. فجاز أن تحلقه النّون المذكورة في الحديث. هذا هو الأظهر في هذه النّون هنا. ثم قال: وأمّا معنى الحديث: ففيه أوجه: أظهرها: أنّه من أفعل التّفضيل، وتقديره: غير الدّجّال أخوف مخوفاتي عليكم، ثم حذف المضاف إلى الياء، ومنه: "أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأئمةُ الْمُضِلّون"، معناه: أنّ الأشياء التي أخافها على أمّتي أحقّها بأن تخاف الأئمة المضلِّون. والثّاني: أن يكون أخوف من أخاف بمعنى: خوف، ومعناه: غير الدّجّال أشدّ موجبات خوفي عليكم. والثّالث: أن يكون من باب وصف المعاني بما يوصف به الأعيان على سبيل المبالغة، كقولهم في الشّعر الفصيح: شعر شاعر، وخوف فلان أخوف من خوفك. وتقديره: خوف غير الدّجّال أخوف خوفي عليكم، ثم حذف المضاف الأوّل، ثم الثّاني، هذا آخر كلام الشّيخ ـ رحمه الله ـ اهـ. نووي على مسلم.