للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو زرعة: سماعُ الأوائِل والأواخر منه سواء (١)؛ إلا أن


= ثانيًا: تصوير كيفية القراءة على ابن لهيعة ما ليس من حديثه، وبيان مدى مسؤوليته عن ذلك ووجهة نظره في تسويغه، فالنماذج السابقة تفيد أن أمر القراءة كان يبدأ من جانب الرواة عنه، حيث يأتونه بما ليس من حديثه، ولا يسألونه إن كان من حديثه أو لا؟ وإنما يقررون له ابتداء أن هذا من حديثك، وهو يكتفي بقولهم من باب إحسان الظن، ونحوه، ويرى تقريرهم هذا مسقطًا للذنب عنه ومسوغًا لإجابة طلبهم، فتارة يحدثهم بما جاؤا به، وتارة يقرهم بالسكوت على ما يقرؤونه عليه، وهم يكتفون بسكوته، ويقومون معتبرين ذلك سماعًا عليه. وفي كلتا الحالتين لا نجد ابن لهيعة قد ادعى ابتداء سماع ما لم يسمع، وبذلك برأه الحاكم من الكذب كما تقدم، ولكن صنيعه هذا يعد تساهلًا واضحًا في الأداء في تلك المرحلة المتأخرة من حياته حيث اكتفى بقول طلاب الرواية عنه، مع ما وصف به من سوء الحفظ، وقد قال ابن خراش: كان -أي ابن لهيعة- يكتب حديثه، احترقت كتبه، فكان من جاء بشيء قرأه عليه، حتى لو وضع أحد حديثًا وجاء به إليه قرأه عليه، قال الخطيب: فمن ثم كثرت المناكير في روايته لتساهله/ تهذيب التهذيب ٥/ ٣٧٨.
أقول: ويبدو أن كلام ابن خراش هذا من تشدده، وإن تابعه عليه الخطيب، وما تقدم عن بعض تلاميذه وأهل بلده الذين رأوه، وعرفوه يفيد أن ذلك لم يكن هو الغالب أو الكثير من أدائه، بل كان في أواخر حياته، ومن صنيع غير الثقات من تلاميذه، وقد تقدم أنه أول ما اشتغل بالتحديث أملى من أصوله، وأظهرها لعامة الرواة عنه، ثم استمر يمكن بعض ثقات تلاميذه من الكتابة منها حتى آخر حياته، وكان غيرهم ينقل عنهم، ثم يسمعون عليه، وتقدم أيضًا أنه وجد من تلاميذه كثيرون ضبطوا النقل والتلقي عنه، كالنضر بن عبد الجبار، والعبادلة وأمثالهم وبذلك صارت أغلب الروايات عنه لا يعيبها إلا سوء حفظه، بحيث يحتج منها بما توبع عليه.
(١) يعني في الضعف: بدليل ما سيأتي في ختام كلامه، أن ابن لهيعة ليس ممن يحتج به، فهو بهذا يقرر عدم تفاوت الرواية سماعًا عن ابن لهيعة في أول حياته، عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>