للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم نقول: إنما جاز تقديم خبرها على اسمها؛ لأنها أضعف من "كان" لأنها تتصرف، ويجوز تقديم خبرها عليها، وأقوى من "ما" لأنها حرف، ولا يجوز تقديم خبرها على اسمها، فجعل لها منزلة بين المنزلتين، فلم يجز تقديم خبرها عليها نفسها، لتنحطّ عن درجة "كان" وجوزوا١ تقديم خبرها على اسمها؛ لترتفع عن درجة "ما".

[امتناع استعمال ما زال مع إلا]

فإن قيل: لِمَ جاز: "ما كان زيد إلا قائمًا" ولم يجز: "ما زال زيد إلا قائمًا"؟ قيل: لأن "إلا" إذا دخلت في الكلام، أبطلت معنى النفي، فإذا قلت: ("ما كان زيد إلا قائمًا" كان التقدير فيه: "كان زيد قائمًا" وإذا قلت:) ٢ "ما زال زيدًا إلا قائمًا"؛ صار التقدير: "زال زيد قائمًا" و"زال" لا تستعمل إلا بحرف النفي، فلما كان إدخال حرف الاستثناء يوجب إبطال معنى النفي، و"كان" يجوز استعمالها من غير حرف النفي، و"زال" لا يجوز استعمالها إلا بإدخال حرف٣ النفي جاز: "ما كان زيد إلا قائمًا" ولم يجز "ما زال زيد إلا قائمًا"؛ وأما قول الشاعر٤: [الطويل]

حَرَاجِيجُ ما تَنْفَّكُّ إلا مُنَاخَةً ... عَلَى الْخَسْفِ أو نَرْمِي بِهَا بَلَدًا قَفْرَا٥

فالخير قوله: على الخسف، وتقديره: ما تنفك على الخسف إلا أن تناخ أو نرمي٦ بها بلدًا قَفْرَا؛ فاعرفه تصب، إن شاء الله تعالى.


١ في "ط" ويجوز.
٢ سقطت من "س".
٣ في "س" بحرف.
٤ الشاعر: ذو الرمة، غيلان بن عقبة بن بهيش، من فحول الشعراء العشاق؛ وشعره يعجب أهل البادية، ويدل على فطنة وذكاء ليسا في غيره؛ له ديوان شعر مطبوع. مات بِحُزوى من رمال الدهناء سنة ١١٧هـ. الشعر والشعر ١/ ٥٢٤.
٥ المفردات الغريبة: حراجيج: جمع حرجوج أو حرجيج، وهي الناقة الجسيمة الطويلة. الخسف: الجوع، وهو أن تبيت الناقة على غير علف.
موطن الشاهد: "ما تنفك إلا مناخة".
وجه الاستشهاد: مجيء خبر "تنفك" مقرونًا بـ "إلا" على وجه الشذوذ. وقيل: "تَنْفَّكّ" تامة لا خبر لها؛ أي: لا تنفصل من السير إلا في حال إناختها؛ أو يكون خبرها: "على الخسف" و"مناخة" منصوبة على الحال في الوجهين.
٦ في "س" ترمي.

<<  <   >  >>