للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حروف١ الاستفهام؟ قيل: إِنَّما أقاموها مُقام حروف الاستفهام تَوَسُّعًا في الكلام، ولكل واحدٍ منها موضع يختص به، فـ"مَنْ" سؤال عمَّن يعقل، و"مَا" سؤال عمَّا لا يعقل، و"كم" سؤال عن العدد، و"كيف" سؤال عن الحال، و"أين"، و"أنى" سؤال عن المكان، و"متى"، و"أيّ حين"، و"أيان" سؤال عن الزمان، و"أي" يحكم عليها بما تضاف إليه؛ فإنَّها لا تكون إلا مضافة، ألا ترى أنك لو قلت: مَنْ عندك؟ لوجب أن يقول المجيب: زيد أو عمرو، وما أشبه ذلك، ولو قال: فرس، أو حمار، لم يجز؛ لأنَّ "مَنْ" سؤال عمَّن يعقل، لا عمَّا لا يعقل؛ وكذلك لو قلت: أينَ زيد؛ لوجب أن تقول: في الدَّار أو في المسجد، وما أشبه ذلك؛ فلو قال: يوم الجمعة لم يجز؛ لأنَّ "أين" سؤال عن المكان، لا عن الزمان؛ وكذلك -أيضًا- لو قلت: متى الخروج؟ لوجب أن تقول: "يوم الجمعة، أو يوم السبت" /أ/ و٢ ما أشبه ذلك، ولو قال: في الدَّار، أو في المسجد؛ لم يجز، لأنَّ "متى" سؤال عن الزمان لا عن المكان، وكذلك سائرها.

[علة إقامة هذه الكلمات مقام الهمزة]

فإن قيل: فَلِمَ أقاموا هذه الكلم مُقام حرف واحدٍ، وهي همزة الاستفهام، وهم يتوخَّون الإيجاز والاختصار في الكلام؟ قيل: إِنَّما فعلوا ذلك للمبالغة في طلب الإيجاز والاختصار، وذلك؛ لأنَّ هذه الكلم تشتمل على الجنس الذي تدل عليه، ألا ترى أَنّ "مَنْ" تشتمل على جميع من يعقل، و"أين" تشتمل على جميع الأمكنة، و"متى" تشتمل على جميع الأزمنة، وكذلك سائرها، فلمَّا كانت تشتمل على هذه الأجناس؛ كان فيها فائدة ليست في الهمزة، ألا ترى أنك لو قلت: أزيد عندك؟ لجاز ألا يكون زيد عنده؛ فيقول: "لا" فتحتاج إلى أن تعيد السؤال، وتعد شخصًا شخصًا، وربَّما لا يذكر الشخص الذي هو عنده، فلا يحصل لك الجواب عمَّن عنده؛ لأنَّه لا يلزمه ذلك في سؤالك، فلمَّا كان ذلك يؤدي إلى التطويل؛ لأنّ استيعاب الأشخاص مستحيل، أتى بلفظة تشتمل على جميع من يعقل وهي "مَنْ" فأقاموها مُقام الهمزة ليلزم المسئول الجواب عمَّن عنده، وكذلك لو قلت: أفي الدار زيد، أو في المسجد؛ لجاز ألا يكون في واحدٍ منهما؛ فيقول: "لا" فتحتاج -أيضًا- أن تعيد السؤال، وتَعُدَّ مكانًا مكانًا، ورُبَّما لا يذكر ذلك المكان الذي هو فيه، فلا يحصل لك الجواب عن


١ في "س" حرف.
٢ سقطت في "ط".

<<  <   >  >>