للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[عامل الرفع واختلاف النحاة فيه]

وأما عامل الرفع، فاختلف فيه النحويون؛ فذهب البصريون إلى أنه يرتفع لقيامه مقام الاسم؛ هو عامل معنوي لا لفظيّ، فأشبه الابتداء، فكما أن الابتداء يوجب الرفع، فكذلك ما أشبهه. فإن قيل: هذا ينقض بالفعل الماضي، فإنه يقوم مقام الاسم، ولا يرتفع؛ قيل: إنما لم يرتفع؛ لأنه لم يثبت له استحقاق جملة الإعراب، فلم يكن هذا العامل موجبًا له الرفع؛ لأنه نوع منه؛ بخلاف الفعل المضارع؛ فإنه يستحق جملة الإعراب للمشابهة التي ذكرناها قبل، فبان الفرق بينهما. وأما الكوفيون١ فذهبوا إلى أنه يرتفع بالزوائد التي في أوله؛ وهو قول الكسائي٢، وذهب الفراء٣ إلى أنه يرتفع لسلامته من العوامل الناصبة والجازمة؛ فأما قول الكسائي فظاهر الفساد؛ لأنه لو كان الزائد /في أوله/٤ هو الموجب للرفع؛ لوجب ألا يجوز نصب الفعل، ولا جزمه مع وجوده؛ لأن عامل النصب والجزم، لا يدخل على عامل الرفع، فلما وجب نصبه بدخول النواصب، وجزمه بدخول الجوازم؛ دل على أن الزائد ليس هو العامل. وأما قول الفراء، فلا ينفك من ضعف، وذلك؛ لأنه يؤدي إلى أن يكون النصب والجزم قبل الرفع؛ لأنه قال: لسلامته من العوامل الناصبة والجازمة؛ والرفع قبل النصب والجزم؛ فلهذا كان هذا القول ضعيفًا. وأما عوامل النصب؛ فنحو: أن، ولن، وكي، وإذن، وحتى. وأما عوامل الجزم؛ فنحو؛ لم، ولما، ولام الأمر، ولا في


١ ذهب الفراء وأكثر الكوفيين إلى أن الرافع للفعل هو تجرده من الناصب والجازم، وقد أخذ بهذا الرأي ابن هشام الأنصاري من المتأخرين. وأما البصريون فقالوا: يرتفع لوقوعه موقع الاسم؛ وما ذهب إليه الفراء والكوفيون ومن تابعهم من المتأخرين هو الصواب.
٢ الكسائي: هو علي بن حمزة الأسدي الكوفي؛ مولده بالكوفة، وسكنه ببغداد، ووفاته بالرّيّ، وهو مؤدب الرشيد، وابنه الأمين. وهو أحد القرّاء السبعة، وأحد أشهر أئمة اللغة والنحو. مات سنة ١٨٩هـ البلغة في تاريخ أئمة اللغة ١٥٦- ١٥٧.
٣ الفراء: هو يحيى بن زياد الأسلمي الديلمي، المعروف بالفرّاء، إمام نحاة الكوفة وأعلمهم في اللغة، وفنون الأدب. قال فيه ثعلب: "لولا الفراء ما كانت اللغة". مات سنة ٢٠٧هـ. بغية الوعاة ٢/ ٣٣٣.
٤ سقطت من "ط".

<<  <   >  >>