فإن قيل: فَلِمَ فتحوا ما قبل ياء التثنية دون ياء الجمع؟ قيل لثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن التثنية أكثر من الجمع على ما بَيّنّا، فلمَّا كانت التثنية أكثر من الجمع، والجمع أقل، أعطوا الأكثر الحركة الخفيفة، وهي الفتح، والأقل الحركة الثقيلة، وهي الكسرة.
والوجه الثاني: أن حرف التثنية لما زيد على الواحد للدلالة على التثنية، أشبه تاء التأنيث التي تزاد على الواحد للدلالة على التأنيث، وتاء التأنيث يفتح ما قبلها، فكذلك ما أشبهها، وكانت التثنية أولى بالفتح، لهذا المعنى من الجمع؛ لأنها قبل الجمع.
والوجه الثالث: أن بعض علامات التثنية الألف، والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، ففتحوا ما قبل الياء لئلا يختلف، إذ لا علة -ههنا- توجب المخالفة.
فإن قيل: فلم أدخلت النون في التثنية والجمع؟ قيل: اختلف النحويون في ذلك؛ فذهب سيبويه إلى أنها بدل من الحركة والتنوين؛ وذهب بعض النحويين إلى أنها تكون على ثلاثة أضرب، فتارة تكون بدلاً من الحركة والتنوين، وتارة بدلاً من الحركة دون التنوين، وتارة تكون بدلاً من التنوين دون الحركة، فأما كونها بدلاً من الحركة والتنوين ففي نحو: رجلان، وفرسان، وأما كونها بدلاً من الحركة دون التنوين ففي نحو: الرجلان، والفرسان، وأما كونها بدلاً من التنوين فقط ففي نحو: رحيان، وعصوان. وذهب بعض الكوفيين إلى أنها زيدت للفرق بين التثنية، والواحد المنصوب في نحو قولك: رأيت زيدًا.
فإن قيل: فما الحاجة إلى الفرق بينهما مع تباين صيغتيهما؟ قيل: لأنهم لو لم يكسروا نون التثنية، ويفتحوا نون الجمع؛ لالتبس جمع المقصور في حالة الجر والنصب، بتثنية الصحيح، ألا ترى أنك تقول في جمع مصطفى: رأيت مصطفَيْنَ، ومررت بمصطفَيْنَ؛ قال الله تعالى: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ