للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: فَلِمَ رُفع زيد في قولهم: "نعم الرجل زيد"؟ قيل: فيه١ وجهان؛ أحدهما: أن يكون مرفوعًا بالابتداء ونعم الرجل هو الخبر، وهو مقدم على المبتدأ؛ والتقدير فيه: زيد نعم الرجل، إلا أنه مقدم٢ عليه؛ كقولهم: مررت به المسكين؛ والتقدير فيه: المسكين مررت به.

فإن قيل: فأين العائد ههنا من الخبر إلى المبتدأ؛ قيل: لأن الرجل لَمّا كان شائعًا في الجنس، كان زيد داخلاً تحته، فصار بمنزلة العائد الذي يعود إليه منه؛ فصار هذا كقول الشاعر٣: [الطويل]

فأمّا القتال لا قتالَ لديكم ... ولكنَّ سَيرًا في عِرَاضِ الْمَواكِبِ٤

فإنَّ القتال مبتدأ، وقوله: لا قتال لديكم خبره، وليس فيه عائد؛ لأن قوله: لا قتال لديكم، نفي عام؛ لأن "لا" تنفي الجنس، فاشتمل على جميع القتال، فصار ذلك بمنزلة العائد /إليه/٥، وكذلك قول الشاعر٦: [الطويل]

فأما الصدور، لا صدورَ لجعفرٍ ... ولكنّ أعجازًا شديدًا صَرِيرُهَا٧


١ في "س" في ذلك.
٢ في "س" قدِّم.
٣ هو الحارث بن خالد بن العاص المخزومي، وفد على عبد الملك بن مروان بالشام، فولاه إمارة مكة، وتوفي فيها سنة ٨٠هـ.
٤ المفردات الغريبة: سيرًا في عِراض المواكب: سيرًا مع رُكّاب الإبل الذين لا يقاتلون.
موطن الشاهد: "القتال، لا قتال لديكم".
وجه الاستشهاد: عودة الخبر "لا قتالَ لديكم" على المبتدأ من دون أن يكون فيه عائد؛ لأنه مقترن بلا النافية للجنس، كما جاء في المتن.
٥ سقطت من "س".
٦ نسبة البغدادي في خزانة الأدب إلى رجل من ضباب، ولم ينسبه غيره من النحاة الذين استشهدوا به.
٧ المفردات الغريبة: الجعفر: النهر الصغير، وبه سمي الرجل؛ وجعفر: أبو قبيلة من عامر، وهم الجعافرة. الصرير: أشد الصياح. وروي البيت: ضَريرها بدل صريرها؛ والضرير: المريض المهزول، وكل شيء خالطه ضر، فهو ضرير، ومضرور. راجع لسان العرب مادة "ضرر" ٤/ ٤٨٥.
موطن الشاهد: "الصدرو، لا صدور لجعفر".
وجه الاستشهاد: اقتران الجملة بـ "لا" النافية للجنس التي أفادت العموم، فأغنى ذلك عن الضمير العائد من الجملة إلى المبتدأ "الصدور"؛ وهذا كثير شائع.
وفي هذا البيت شاهد آخر على حذف الفاء في جواب "أما" للضرورة الشعرية.

<<  <   >  >>