قوله:"تعس وانتكس، وإذا شيك؛ فلا انتقش"، وهذا حال من إذا أصابه شر؛ لم يخرج منه، ولم يفلح؛ لكونه تعس وانتكس؛ فلا نال المطلوب، ولا خلص من المكروه، وهذه حال من عبد المال، وقد وصف ذلك بأنه: إن أعطى رضي، وإن منع سخط؛ كما قال تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} ١، رضاهم لغير الله، وسخطهم لغير الله، وهكذا حال من كان متعلقاً برئاسة أو صورة ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له؛ رضي، وإن لم يحصل له؛ سخط؛ فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له؛ إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته؛ فما استرق القلب واستعبده؛ فهو عبده ... ".
إلى أن قال: "وهكذا طالب المال؛ فإن ذلك يستعبده ويسترقه، وهذه الأمور نوعان:
الأول: منها ما يحتاج العبد إلى طعامه وشرابه ومنكحه ومسكنه ونحو ذلك؛ فهذا يطلب من الله، ويرغب إليه فيه، فيكون المال عنده يستعمله في حاجته بمنزلة حماله الذي يركبه وبساطه الذي يجلس عليه من غير أن يستعبده فيكون هلوعا.
الثاني: ومنها ما لا يحتاج إليه العبد؛ فهذا ينبغي أن لا يعلق قلبه به، فإذا علق قلبه؛ صار مستعبداً له، وربما صار مستعبدًا على غير الله؛ فلا يبقى معه حقيقة العبودية لله، ولا حقيقة التوكل عليه، بل فيه شعبة من العبادة لغير الله، وشعبة من التوكل على غير الله، وهذا أحق الناس بقوله صلى الله عليه وسلم:"تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة"، وهذا عبد لهذه الأمور، ولو طلبها من الله؛ فإن الله إذا أعطاه إياها؛ رضي، وإن منعه إياها؛ سخط وإنما عبد الله من يرضيه ما يرضي الله، ويسخطه ما يسخط