ولهذا قالوا:{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاّ الدَّهْرُ} ؛ أي: لا يفنينا إلا مرور الليالي والأيام فنسبوا الإهلاك إلى الدهر على سبيل الذم له، وإنما قالوا هذا القول عن جهل وتخرص، لا عن علم وبرهان؛ لأن البرهان يرد هذا القول ويبطله، ولهذا رد الله عليه بقوله:{وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ} ، وكل قول لا ينبني على علم وبرهان؛ فهو قول باطل مردود.
والبراهين تدل على أن ما يجري في الكون لا بد له من مدبر حكيم قادر، وهو الله - سبحانه وتعالى - فكل من سب الدهر ونسب إليه شيئا من الحوادث؛ فقد شارك المشركين والدهرية في هذا الوصف الذميم، وإن لم يشاركهم في أصل الاعتقاد.
وفي "الصحيحين" وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، بسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار"، وفي رواية:"لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر".
فدل الحديث على أن من سب الدهر؛ فقد آذى الله - سبحانه - لأن السب يتجه إلى مدبر الحوادث والوقائع وخالقها، والدهر إنما هو ظرف ومحل وخلق مدبَّر، ليس له شيء من التدبير، ولهذا قال الله:"وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار"؛ فقوله - سبحانه -: "أقلب الليل والنهار": تفسير لقوله: "وأنا الدهر"، وكذا قوله:"فإن الله هو الدهر"؛ معناه أن الله هو المتصرف الذي يصرف الدهر وغيره؛ فالذي يسب الدهر إنما يسب من خلقه، وهو الله تعالى وتقدس.
قال بعض السلف: "كانت العرب في جاهليتها من شأنها ذم الدهر؛ أي: سبه عند النوازل؛ فكانوا إذا أصابتهم شدة أو بلاء؛ قالوا: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، وقالوا: يا خيبة الدهر! فيسندون الأفعال إلى الدهر، ويسبونه، وإنما فاعل ذلك هو الله، فإذا أضافوا ما نالهم من الشدائد إلى