للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأهل الكتاب وسبي ذراريهم واستباحة دمائهم وضرب الجزية عليهم أمر معلوم بالتواتر والضرورة؛ فإنه دعا المشركين إلى الإيمان به، ودعا أهل الكتاب إلى الإيمان به، وجاهد أهل الكتاب كما جاهد المشركين؛ فجاهد بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، وأهل خيبر، وهؤلاء كلهم يهود، وسبى ذراريهم ونساءهم وغنم أموالهم، وغزا النصارى عام تبوك بنفسه وبسراياه، حتى قتل في محاربتهم زيد بن حارثة مولاه وجعفر وغيرهما من أهله، وضرب الجزية على نصارى نجران، وكذلك خلفاؤه الراشدون من بعده جاهدوا أهل الكتاب وقاتلوا من قاتلهم وضربوا الجزية على من أعطاهم منهم عن يد وهم صاغرون.

وهذا القرآن - الذي يعرف كل أحد أنه الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم - مملوء من دعوة أهل الكتاب إلى إتباعه، ويكفِّر من لم يتبعه منهم ويلعنه، كما جاء بتكفير من لم يتبعه من المشركين وذمِّه؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ ... } ١ الآية، وفي القرآن من قوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَاب} ، {يَا بَنِي إِسْرائيلَ} ؛ ما لا يحصى إلا بكلفة، وقال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ ... } إلى قوله: {خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} ٢، ومثل هذا في القرآن كثير جدّاً.

وقد قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ٣، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} ٤.

واستفاض عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "فضلت على الأنبياء بخمس"، ذكر منها أنه: "وكان يبعث النبي إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"، بل تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه بعث إلى الجن والإنس.

فإذا علم بالاضطرار وبالنقل المتواتر الذي تواتر كما تواتر ظهور دعوته؛


١ سورة النساء، الآية: ٤٧.
٢ سورة البينة، الآيات: ١ ـ ٧.
٣ سورة الأعراف، الآية: ١٥٨.
٤ سورة سبأ، الآية: ٢٨.

<<  <   >  >>