للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جملتها: ثم مضى ثالث: فقلت: فهذا أيضاً منها، وانصرفت وانقطعت عن العَود إلى المجلس لِحُمَّى نالتني. فبينما أنا في الموضع الذي كنت نزلته إذا أنا بداقّ يدق عليّ الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: ابن سعيد، فخرجت وإذا بأبي العباس، فوقعت في صدره أقبّله، وقلت: يا سيّدي لِمَ تجشمت المجيء؟ فقال: ما عرفناك إلا بعد انصرافك، وجعل يعتذر إليّ، ثم قال: ما الذي أخّرك عن الحضور؟ فذكرت له أني حُمِمْتُ، فقال: تحضر المجلس لتقرأ ما أحببت. فكنت بعدُ إذا حضر أكرمني ورفعني في المجلس. أو كما قال"""١".

فسياق هذه القصة يدلّ على أن الدَّارَقُطْنِيّ عندما حصلت له كان لا يزال تلميذاً يحضر مجالس العلماء، لكنهم يقدرونه عندما يعرفون أنه الدَّارَقُطْنِيّ بسبب نبوغه وشهرته. فملأ العيون والأسماع منذ سن مبكرة من حياته.

وقد طلب العلم وهو صغير جدا، وكتب الحديث قبل أن يتجاوز الثامنة من عمره، يقول الحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ":

"قال يوسف القواس: كنّا نمرّ إلى البغويّ، والدَّارَقُطْنِيّ صبي يمشي خلفنا بيده رغيف عليه كامخ"""٢". وقال: ""وسمع وهو صبي من أبي القاسم البغوي ... """٣".

وفي "تاريخ دمشق" عن القواس: ""كنّا نمرّ إلى ابن منيع والدَّارَقُطْنِيّ صبي


"١" "تاريخ بغداد": ١٢/٣٧.
"٢" "التذكرة": ٣/٩٤، والكامخ هو: ما يؤتدم به ويؤكل به الخبز. انظر: "مختار الصحاح"، و"القاموس المحيط"، مادة: كمخ.
"٣" "سير أعلام النبلاء": جـ١٠ ق٥٢٠.

<<  <   >  >>