والصحيح أن المسيح من سلالة هارون عليه السلام الذي يعود إلى لاوي بن يعقوب عليه السلام وذلك لعدة أدلة: أولاً -أن مريم أم المسيح عليه السلام كانت منذورة للعبادة، وهذا الأمر وهو النذر وخدمة معبد اليهود خاص ببني لاوي، كما هو في تشريعاتهم. ثانياً -أن أليصابات زوجة زكريا حسب ما ذكر النصارى نسيبة مريم وقريبتها، وهي من بنات لاوي، فتكون مريم كذلك، لأن كل رجل من بني إسرائيل يأخذ من سبطه وليس من سبط آخر. ثالثاً -أن زكريا عليه السلام يدعي النصارى فيه أنه كان كاهن الهيكل في زمانه، والكهانة كانت في بني لاوي كما هي شرعة اليهود. رابعاً -أن الله عز وجل ذكر قول اليهود لمريم ونسبتهم لها إلى هارون، حيث قال تعالى: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} مريم آية ٢٨. فقولهم يا أخت هارون من جنس قول يا أخا تميم، يا أخا العرب، كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره، ٣/١١٢ عن السدي. وكان النصارى قد طعنوا في القرآن الكريم بناءً على هذه النسبة بين مريم وهارون، ظناً منهم أن هارون المذكور في الآية هنا هو هارون أخو موسى عليهما السلام، فقد روى المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى نجران، فقالوا له: أرأيت ما تقرءون {يَا أُخْتَ هَارُونَ} ، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، قال: فرجعت فذكرت ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم. أخرجه. م.٣/٦٨٥. فالنبي صلى الله عليه وسلم بين هنا بطلان هذا الطعن، وأن هارون المذكور في الآية ليس أخاً لمريم، كما ظنوا. ولا شك أن ذلك لا ينفي أن تكون مريم من سلالة هارون عليه السلام، بل إن القرطبي نقل عن مقاتل أنه قال في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} آل عمران ٣٣. قال: هو عمران أبو موسى وهارون. فعليه تكون مريم من نسله، لأن قصتها ذكرت بعده مباشرة. انظر: تفسير القرطبي ٤/ ٦٣. أما ساعير التي وردت في البشارة هنا فلا يبعد أن يكون المقصود بها جبلاً في منطقة يهوذا مجاور لقرية يعاريم على مسافة تسعة أميال غربي القدس. انظر قاموس الكتاب المقدس ص٤٦٧،٧٢٩ وفي تلك المناطق بعث المسيح عليه السلام.