للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

موقف البيهقي: من مقالة الجهمية والمعتزلة في القرآن

وإذا كان البيهقي - رحمه الله - يرى أن كلام الله تعالى إنما هو معنى قائم بذاته سبحانه، يسمع وتفهم معانيه وإن الحروف تكون أدلة عليه، كما تكون الكتابة إمارات الكلام ودلالات عليه١، على معنى أن هذا الكلام الذي نقرؤه، ونكتبه في المصاحف ليس هو كلام الله حقيقة وإنما هو عبارة عنه، فإنه قد وقف من رأي الجهمية والمعتزلة القائل بأن كلام الله مخلوق، نفس الموقف الذي وقفه السلف من أصحاب هذه المقالة الفاسدة مع اختلافه معهم في حقيقة الكلام، كما سبق أن ذكرنا آنفاً.

فقد اشتهر عن المعتزلة والجهمية قولهم في القرآن بأنه مخلوق محدث، ويقرر القاضي عبد الجبار المعتزلي هذا الرأي بقوله: "وأما مذهبنا في ذلك فهو أن القرآن كلام الله تعالى، ووحيه، وهو مخلوق محدث"٢، بمعنى أن الله تعالى لم يكن متكلماً، وحينما أراد الكلام خلقه في محل، وأسمعه من أراد كما قالوا عن موسى عليه السلام أن سماعه لكلام الله تعالى إنما كان تحت الشجرة التي خلق الله كلامه فيها. وهذا هو رأي الجهمية أيضاً٣.


١ الجامع لشعب الإيمان١/ ل٢٦.
٢ شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص: ٥٢٨.
٣ انظر: الردّ على الجهمية لعثمان بن سعيد الدارمي ص: ٩٣، والتنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع للملطى ص: ١٢٥، ومقالات الإسلاميين للأشعري١/٣٣٨.

<<  <   >  >>