للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجاء في منتهى الإرادات: " ... ولا بيع سرجين١ للإجماع على نجاسته ولا بيع دهن نجس كشحم ميتة لأنه بعضها أو دهن متنجس كزيت ... "٢.

وهكذا اتضح لنا موقف جمهور الفقهاء من اشتراطهم طهارة المبيع ومنع بيع غير الطاهر، فهؤلاء لم يصححوا بيع النجاسات لأنهم اشترطوا كون المبيع طاهراً فضلاً عن كونه مالاً منتفعاً به.

غير أن الحنفية: لم يذكروا شرط طهارة المبيع صراحة، ضمن الشروط المعتبرة لصحة البيع، وإن كانوا قد أدرجوا ذلك عند بيان شرط المالية، ولم يعتبروا مناط المنع نجاسة المبيع، بل جعلوا مناط ذلك عدم شرعية الانتفاع بالشيء المباع، وعلى هذا فقد وجدت الحنفية لم يعتبروا نجاسة المبيع مانعاً من صحة بيعه، وإنما قالوا إنه يشترط أن يكون المبيع مالاً متقوماً أي منتفعاً به شرعاً، ولهذا صححوا بيع السرجين مع كونه نجساً، لأنه مال منتفع به عندهم، ولم يمنع الشرع الانتفاع به.

فقد جاء في الهداية: " ... لم يجز بيع الميتة والدم لانعدام المالية التي هي ركن البيع، فإنهما لا يعدان مالاً عندنا"٣, وفي شرح فتح القدير: " ... فالبيع بالميتة والدم باطل، وكذا بالحر لانعدام ركن البيع وهو مبادلة المال بالمال، فإن هذه الأشياء لا تعد مالاً عند أحد ... والباطل لا يفيد ملك التصرف"٤.

هذا وقد سوغ الشارع اقتناء بعض النجاسات التي يصعب الاستغناء عنها، للاستفادة منها، لما لها من فوائد لا يستهان بها، وذلك مثل كلاب الحراسة والصيد ونحو ذلك، حيث ورد النص على جواز اقتنائها في قول النبي: صلى الله عليه وسلم "من اقتنى كلباً إلا


١ السرجين: الزبل، وهي كلمة أعجمية، وأصلها سركين - بالكاف، فعربت إلى الجيم والقاف، ويقال: سرقين أيضا. المصباح المنير للفيومي صفحة ٢٧٣، القاموس المحيط للفيروز آبادي صفحة ١٥٥٥.
٢ البهوتي: ٢/١٤٣.
٣ المرغيناني ٨/١٤١.
٤ ابن الهمام ٦/٤٠٣.

<<  <   >  >>