"ورغم ما حدث في الرجيع، فإن وفود المسلمين لدعوة الأعراب لم تنقطع أبدا، إذ لا بدّ من تبليغ دعوة الإسلام مهما غلت التضحيات"١، حيث يرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية تعليمية أخرى إلى أعراب نجد بمبادرة من أبي براء ملاعب الأسنة أحد زعماء نجد والذي طمأن خوف النبي صلى الله عليه وسلم من فتك الأعراب بهم بإجارته لهم، ولكن إجارة أبي البراء لم تردع ابن أخيه عامر بن الطفيل الذي أوقع بالقراء بمعاونة الأعراب من سليم وفتكوا بسبعين من خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادثة آلمته كثيرًا، ولكنها لم تثبطه أو تقعده عن متابعة برامجه الدعوية والتعليمية.
وتستمر سياسته الدعوية لا تغيِّرها الظروف والمناسبات، فالدعوة إلى الله عز وجل وهي الأساس الذي بنى عليه دولة الإسلام، لا تتأثر بالظروف الحادثة إيجابا أو سلبا، لأنها كانت تتم وفق تخطيط مسبق ومدروس ومنظم بعناية فائقة –فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الفاتح المظفر على أكبر أعداء الدعوة- لا يلهيه ظفره عليهم ولا يطغيه فتحه لأعظم معاقل الوثنية في الجزيرة ولا تنسيه فرحة رجوعه لمسقط رأسه غانمًا موفورًا هدفه الأسمى وغايته النبيلة، فيبادر إلى بثِّ السرايا والبعوث الدعوية حول مكة بعد فتحها مباشرة.
منها بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى بني جذيمة ذلك البعث الذي كثر الحديث حوله، وتفنَّن الرواة والإخباريون في تفسيراتهم وتبريراتهم الخاطئة عنه مستندين إلى خلفيَّات جاهلية لا تنسجم مع روح الإسلام، وما تربَّي عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نبذ أدران الجاهلية الدَّفينة، وقد حاول بعض المتأخرين ممن عنوا بالمغازي استنادا على رواية الصحيح تفسير الواقعة باذلين في ذلك جهدهم للوصول إلى التفسير الصحيح –فكان أفضل ما وصلوا إليه أن خالدًا تأوَّل واجتهد فأخطأ. والله تعالى أعلم بالصواب.