دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم على إرسال سراياه وبعوثه بانتظام وفق خطط مدروسة، وكانت هذه السرايا والبعوث تؤدي مهماتها وتنجز أعمالها الموكلة إليها، فمن سرايا استطلاع إلى سرايا قتالية وبعوث اعتراضية وأخرى تعرُّضية. ولكن كانت هناك بعض السرايا ترسَل لتؤدي مهمات محددة قد لا يكون فيها استطلاع ولا تعرُّض واعتراض، مثل سرية أبي قتادة بن ربعي رضي الله عنه إلى أضم التي بعثها إلى تلك المنطقة لتحويل أنظار قريش وحلفائها عن نية رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى مكة حيث يظن ظان أنه يريد مهاجمة تلك المنطقة.
وهذه العملية تسمى اليوم بالعمليات الاستعراضية التضليلية، وذلك يعطينا دلالة قوية على ذكاء النبي صلى الله عليه وسلم وفطنته العسكرية، فهو دائم الابتكار، حاضر البديهة في مواجهة أعدائه، لا يدع مجالا ولا أسلوبا يستطيع التغلب فيه عليهم ومباغتتهم إلاَّ عمل به، وكان دائما يردد قولته المشهورة:"الحرب خدعة"١.
ولكن خُدَعَه وأساليبه العسكرية لا تخرج عن نطاق الحرب الفروسية المشرفة، لا كما يفعل غالبية قادة الجيوش في العالم قديما وحديثا، فكان دائما ما يوصي جنوده بالضبط العسكري التام، وعدم خرق الأعراف والتقليد الإنسانية الخيِّرة، فكان يشدد على عدم الاعتناء على الآمنين والضعفاء من الشيوخ والنساء والأطفال، بل كان يغضب عندما يسمع أو يرى بعض التجاوزات غير الخارقة من بعض جنوده وقواده، ويحاسبهم على ذلك، لأن
١ انظر الألباني، صحيح الجامع الصغير وزياداته. الفتح الكبير (١/٦٠٦) .