بِخِلَافِهَا، وَلَا أَنْ تَخْتَلِفَ الْعُقَلَاءُ فِي صَلَاحِهَا وَفَسَادِهَا. وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَعْلِيلُهُ بِالْعَقْلِ مُسْتَنْبَطٌ، وَوُضُوحُ صِحَّتِهِ بِالدَّلِيلِ مُرْتَبِطٌ. وَلِلنَّفْسِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ شَاهِدٌ أَلْهَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى إرْشَادًا لَهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: ٨]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بَيَّنَ لَهَا مَا تَأْتِي مِنْ الْخَيْرِ وَتَذَرُ مِنْ الشَّرِّ. وَسَنَذْكُرُ تَعْلِيلَ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى بِهِ وَأَحَقُّ.
فَأَوَّلُ مُقَدَّمَاتِ أَدَبِ الرِّيَاضَةِ وَالِاسْتِصْلَاحِ أَنْ لَا يَسْبِقَ إلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِنَفْسِهِ، فَيَخْفَى عَنْهُ مَذْمُومُ شِيَمِهِ وَمَسَاوِئُ أَخْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ بِالشَّهَوَاتِ آمِرَةٌ، وَعَنْ الرُّشْدِ زَاجِرَةٌ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣] . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْدَى أَعْدَائِك نَفْسُك الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْك، ثُمَّ أَهْلُك، ثُمَّ عِيَالُك» .
وَدَعَتْ أَعْرَابِيَّةٌ لِرَجُلٍ فَقَالَتْ: كَبَتَ اللَّهُ كُلَّ عَدُوٍّ لَك إلَّا نَفْسَك. فَأَخَذَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ:
قَلْبِي إلَى مَا ضَرَّنِي دَاعِي ... يُكْثِرُ أَسْقَامِي وَأَوْجَاعِي
كَيْفَ احْتِرَاسِي مِنْ عَدُوِّي إذَا ... كَانَ عَدُوِّي بَيْنَ أَضْلَاعِي
فَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ كَذَلِكَ فَحُسْنُ الظَّنِّ بِهَا ذَرِيعَةٌ إلَى تَحْكِيمِهَا، وَتَحْكِيمُهَا دَاعٍ إلَى سَلَاطَتِهَا وَفَسَادِ الْأَخْلَاقِ بِهَا. فَإِذَا صَرَفَ حُسْنَ الظَّنِّ عَنْهَا وَتَوَسَّمَهَا بِمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ التَّسْوِيفِ وَالْمَكْرِ فَازَ بِطَاعَتِهَا، وَانْحَازَ عَنْ مَعْصِيَتِهَا.
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْعَاجِزُ مَنْ عَجَزَ عَنْ سِيَاسَةِ نَفْسِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ سَاسَ نَفْسَهُ سَادَ نَاسَهُ. فَأَمَّا سُوءُ الظَّنِّ بِهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ اتِّهَامِ طَاعَتِهَا، وَرَدِّ مُنَاصَحَتِهَا. فَإِنَّ النَّفْسَ وَإِنْ كَانَ لَهَا مَكْرٌ يُرْدِي فَلَهَا نُصْحٌ يُهْدِي. فَلَمَّا كَانَ حُسْنُ الظَّنِّ بِهَا يُعْمِي عَنْ مَسَاوِئِهَا، كَانَ سُوءُ الظَّنِّ بِهَا يُعْمِي عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute