أَنَفَةً مِنْ خُمُولِ الضَّعَةِ، وَاسْتِنْكَارًا لِمَهَانَةِ النَّقْصِ.
وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ دَنِيَّهَا وَسَفْسَافَهَا» . وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا تُصَغِّرَنَّ هِمَّتَكُمْ فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَقْعَدَ عَنْ الْمَكْرُمَاتِ مِنْ صِغَرِ الْهِمَمِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْهِمَّةُ رَايَةُ الْجِدِّ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: عُلُوِّ الْهِمَمِ بَذْرُ النِّعَمِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا طَلَبَ رَجُلَانِ أَمْرًا ظَفِرَ بِهِ أَعْظَمُهُمَا مُرُوءَةً. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: مَنْ تَرَكَ الْتِمَاسَ الْمَعَالِي بِسُوءِ الرَّجَاءِ لَمْ يَنَلْ جَسِيمًا.
وَأَمَّا شَرَفُ النَّفْسِ: فَإِنَّ بِهِ يَكُونُ قَبُولُ التَّأْدِيبِ، وَاسْتِقْرَارُ التَّقْوِيمِ وَالتَّهْذِيبِ، لِأَنَّ النَّفْسَ رُبَّمَا جَمَحَتْ عَنْ الْأَفْضَلِ وَهِيَ بِهِ عَارِفَةٌ، وَنَفَرَتْ عَنْ التَّأْدِيبِ وَهِيَ لَهُ مُسْتَحْسِنَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَيْهِ غَيْرُ مَطْبُوعَةٍ، وَلَهُ غَيْرُ مُلَائِمَةٍ، فَتَصِيرُ مِنْهُ أَنْفَرَ، وَلِضِدِّهِ الْمُلَائِمِ آثَرَ. وَقَدْ قِيلَ: مَا أَكْثَرُ مَنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَلَا يُطِيعُهُ. وَإِذَا شَرُفَتْ النَّفْسُ كَانَتْ لِلْآدَابِ طَالِبَةً، وَفِي الْفَضَائِل رَاغِبَةً، فَإِذَا مَازَحَهَا صَارَتْ طَبْعًا مُلَائِمًا فَنَمَا وَاسْتَقَرَّ.
فَأَمَّا مَنْ مُنِيَ بِعُلُوِّ الْهِمَّةِ وَسُلِبَ شَرَفُ النَّفْسِ فَقَدْ صَارَ عُرْضَةً لِأَمْرٍ أَعْوَزَتْهُ آلَتُهُ، وَأَفْسَدَتْهُ جَهَالَتُهُ، فَصَارَ كَضَرِيرٍ يَرُومُ تَعَلُّمَ الْكِتَابَةِ، وَأَخْرَسَ يُرِيدُ الْخُطْبَةَ، فَلَا يَزِيدُهُ الِاجْتِهَادُ إلَّا عَجْزًا وَالطَّلَبُ إلَّا عَوَزًا.
وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا هَلَكَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَهُ» . وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَسْوَأُ النَّاسِ حَالًا؟ قَالَ: مَنْ بَعُدَتْ هِمَّتُهُ، وَاتَّسَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ، وَقَصُرَتْ آلَتُهُ، وَقَلَّتْ مَقْدِرَتُهُ. وَقَالَ أُفْنُونُ التَّغْلِبِيُّ:
وَلَا خَيْرَ فِيمَا يَكْذِبُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ ... وَتِقْوَالِهِ لِلشَّيْءِ يَا لَيْتَ ذَا لِيَا
لَعَمْرُك مَا يَدْرِي امْرُؤٌ كَيْفَ يَتَّقِي ... إذَا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللَّهُ وَاقِيَا
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: تَجَنَّبُوا الْمُنَى فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِبَهْجَةِ مَا خُوِّلْتُمْ، وَتَسْتَصْغِرُونَ بِهَا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْمُنَى مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute