للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الطعن في أعراض المسلمين]

وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على حرمة عرض المسلم، وأنه لا يجوز للمسلم إذا أراد أن يخاطب أخاه المسلم، أن يستطيل في عرضه بدون حق، فإذا اتهمه بالزنا كان ذلك من الاستطالة في العرض، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، والسحر، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) ، فمن أشد وأقبح ما يكون من الإنسان من أن يتسلط على امرأة مؤمنة غافلة بعيدة عن الفحشاء، فيتهمها بالزنا -والعياذ بالله- وينسبها إلى ما لم يكن منها زوراً وبهتاناً، فذلك أذية لله وأذية لعباد الله، ولذلك توعد الله عز وجل مَن فَعَلَ ذلك بما سبق من العقوبة.

ولذلك بيَّن العلماء رحمهم الله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نَزَّل العرض منزلة الدم، فجمع بين حرمة العرض وحرمة الدم، وذلك في أعظم مشهد وأعظم جمع جُمع له في عهده صلوات الله وسلامه عليه، فقد قام في أصحابه في مقامٍ لم يجمع له مثله لا من قبل ولا من بعد، يوم حجة الوداع، حيث أخبر بعض الصحابة أن الجمع بلغ مائة ألف من الصحابة، كلهم حضروا مع النبي صلوات الله وسلامه عليه، فلما أراد أن يقرر الأحكام وأن يبين الشريعة قال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) ، فدل على أن العرض ومنه: سب الإنسان وتهمته بالزنا يعتبر من المحارم المعظَّمة عند الله عز وجل، كحرمة يوم عرفة في الشهر الحرام في البلد الحرام، كل ذلك تعظيماً من الله لأعراض المسلمين.

فدل على أنه ينبغي للمسلم أن يصون لسانه من الوقيعة في عرض أخيه المسلم، بل قال العلماء: لو أن شخصاً رأى رجلاً أو امرأة فظن بهما ظن السَّوء ولم يتحقق فعلهما للسُّوء، فإنه يعتبر مرتكباً للجريمة -والعياذ بالله- على قدر ظنه، ويلقى الله -والعياذ بالله- بإثمهما، كما بين الله تبارك وتعالى ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:١٢] ، فأخبر أن بعض الظن إثم وجريمة في حق الناس.

ولذلك نبه العلماء رحمهم الله -عند الكلام على أدب اللسان- على ما ينبغي أن يكون عليه المسلم، من عدم التكلم في حق أخيه إلا ببينة وعلم، كما أشار الله تبارك وتعالى إلى ذلك بقوله: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف:٨١] ، ولو كان الإنسان مازحاً فقال لأخيه: يا ابن الزانية أو يا ابن الزاني؛ لكان -والعياذ بالله- قاذفاً، ويلحقه الوعيد الذي أخبر الله عز وجل عنه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، في الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه في قوله: (اجتنبوا السبع الموبقات) قال بعض العلماء (الموبقات) أي: المهلكات والعياذ بالله، أي: أنها تهلك العبد في دينه ودنياه وآخرته.

فالمقصود: أن القذف من كبائر الذنوب، وأنه ينبغي للمسلم أن يصون لسانه، وأن يصون سمعه عن سماع أي طعن في مسلم أو مسلمة بفاحشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>