للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[في الآية بيان صفة من صفات الرحمن]

الأمر الثالث الذي اشتملت عليه هذه الآية الكريمة: فصفة تدل على عظمة الواحد الديان، ختم بها هذه الآيات الكريمة حتى ينبه العباد بفضل هذا الكتاب، وأنه سبيل الخير والهدى والصواب.

يقول الله تبارك وتعالى مشيراً إلى هذه الصفة الكريمة: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:١٩] وللعلماء في تفسير خاتمة هذه الآية الكريمة وجهان: - منهم مَن قال: إن المراد بها الخصوص، أي: أن الذي تقدم مِن قولنا: إن المراد بالآية قَذفَة عائشة وإشاعة الفاحشة عنها، يكون قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ) أي: يعلم أن هؤلاء كاذبون ومفترون فيما قالوه، وأن الذين يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا أنهم أهل كذب، لا حقيقة لما قالوه ولا صدق لما أذاعوه، فالله يعلم كذبهم، وأنتم لا تعلمون.

هذا هو الوجه الأول.

- وأما الوجه الثاني: فهو أن قوله: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أي: يا عبادي! هذا حكمي أن أعذب أهل الفواحش، الدعاة إليها والممهدين لسبيلها، وأنا أعلم بخلقي، وأعلم بالحكم الذي شرعته لهم من عذاب الدنيا إذا قذفوا، وعذاب الآخرة إذا صاروا إلى الله ولم يتوبوا، فقوله: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ) يكون معناه على هذا الوجه الأخير، أي: أن هذا الشرع الذي شرعته لكم مِن عقوبة مَن يشيع الفاحشة في الدنيا والآخرة إنما هو شرع العليم الذي يعلم عواقب الأمور، وفي هذا إشارة إلى العواقب الوخيمة التي تتأتى أو تحصل بسبب إطلاق الناس لألسنتهم بالفواحش، أي: والله حرَّم ذلك لعلمه بما يئول إليه الأمر من أذية المسلمين، ولذلك لو أن إنساناً اتُّهم في عرضه لم ينم ليلته، ولم يرتح في يومه، وكذلك لم يرتح في عبادته وصلاته لربه، بل إن عائشة رضي الله عنها لما بلغها قذفُها مكثت ثلاث ليالٍ لا تنام لها عين، ولا يجف لها دمع من البكاء والدموع.

فاتهام الناس في أعراضهم، وإشاعةُ الفاحشة عنهم أمرٌ خطير، ولا يعرف قدره إلا الله عز وجل علام الغيوب، ولربما أن الإنسان إذا أشاع الفاحشة عن رجل أنها تضر بيته كله، فلا تُنْكَح بناتُه ولا أخواتُه، ولربما يسترسل ذلك إلى عواقب لا يعلمها إلا الله، فلا يستغرب المؤمن من هذا الوعيد الذي توعد الله به أهل إشاعة الفاحشة! فلا تعجب -أيها المؤمن- من ذلك فالله عليم بخلقه، حكيم في أمره ونهيه! وهذا يدل على أنه ينبغي للمسلم أن يسلم لله عز وجل ويذعن له، فإذا بلغه الحكم عن الله علم أن شرع الله هو الغاية، وأنه هو النهاية في العدل وفي اللطف بالعباد والرحمة.

والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>