للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقوبات المترتبة على من قذف شخصاً ولم تكن عنده بينة

قال الله عز وجل: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور:٤] : هذه هي العقوبة الأولى، فقد أجمع العلماء رحمهم الله على أنه إذا قذف الشخص غيره، ولم تكن عنده بينة، فإنه يُجلد ثمانين جلدة، لقوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور:٤] .

وقوله: (فَاجْلِدُوهُمْ) أمر عام والمراد به خاص، وهم ولاة الأمر كالقضاة ونحوهم، فإنهم هم المطالَبون بإقامة الحد على القاذف.

وقوله تبارك وتعالى: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) وقد تقدمت صفة الجلد، وأنه يجلد الزاني بسوط ليس بهش يتهشم عند الضرب به، ولا بلين، وإنما بسوط بين السوطين.

يقول تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} [النور:٤] : أجمع العلماء رحمهم الله على أن القاذف إذا قذف غيره وثبت عند القاضي قذفه، فإن القاضي يحكم بعدم قبول شهادته إلى الأبد، يقول بعض العلماء، وفي هذا أدب إلهي يبيِّن لنا حرمة الأعراض وكيف تؤدب الألسن إذا انطلقت دون خوف من الله عز وجل في أعراض المسلمين، قال بعض العلماء لما كان هذا اللسان جريئاً على أعراض المسلمين، عاقبه الله عز وجل فقطع شهادته إلى الأبد لكي يكون في ذلك زجر لأهل الفساد، الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وفي هذا دليل على سمو منهج الشرع، فإن الإنسان إذا كان لا يتقي الله عز وجل في أعراض المسلمين، فيشهد عليهم بالتهم، ويلصق بهم ما لا أصل له من الفواحش، فإنه جريءٌ على الكذب في غير ذلك، وإذا لم يتقِ الله في أعراض المسلمين، فإنه إذا شهد بالأموال من باب أولى وأحرى أن يكذب، فكما كذب في الأعراض فإنه من باب أولى وأحرى أن يكذب كذلك في الأموال، فالأموال أهون من الأعراض، وفي هذا دليل على حكمة الشرع، وأن الله تبارك وتعالى قد وضع العقوبة في موضعها.

يقول تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:٤] : قال بعض السلف: لو قال لي القاذف قبل توبته: السماء فوقك، ما صدقته ولَصَدقت غيره، كل ذلك لأن الله قال: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} [النور:٤] ، فمنع من قبول الشهادة منهم أبداً.

العقوبة الثالثة: في قوله تعالى: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:٤] : الفاسقون جمع فاسق، فالله عز وجل وصف القاذف بالفسق، والفسق في اللغة: الخروج، ومنه قولهم: فَسَقَت الرُّطَبة: إذا خرجت من قشرها، قال بعض العلماء: سمي الفسق فسقاً لأن صاحبه -والعياذ بالله- خارج عن طاعة الله تبارك وتعالى، فالفاسقون هم الخارجون عن طاعة الله، المجانبون لسبيل الله، المنتهكون لحدود الله ومحارم الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>