للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الحادي عشر: احذر النار]

إخواني: لقد خاب من آثار شهوةً من حرام، فإن عقباها تجرع حميم آن، وخسر - والله - من أطلق نفسه فيما تريد، بعد أن سمع الزبانية وأغلال الحديد، وهلك كل الهلك وبار كل البوار، من اشترى لذة ساعة بعذاب النار.

قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة» .

وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ناركم هذه مما يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءاً من جهنم» .

وروى ابن مسعود رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، يجرونها» .

وقال وهب بن منبه: إذا سيرت الجبال، فسمعت حسيس النار، نقيضها وزفيرها وشهيقها، صرخت الجبال كما تصرخ النساء، ثم يرجع أوائلها على أواخرها يدق بعضها بعضاً.

وفي المسند عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يعظم أهل النار حتى إن بين شحمة أذن أحدهم وعاتقه سبعمائة عام، وإن غلظ جلده سبعون ذراعاً، وإن ضرسه مثل أحد» .

وروى الزهري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الحميم ليصب على رءوسهم (فينفذ الحميم) حتى يخلص إلى جوفه فيلهب ما في جوفه، حتى يمرق من قدميه، وهو الصهر ثم يعاد كما كان» .

وقال أبو موسى: أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت.

لله در أقوام أذهبوا أعمارهم في طلبي وأتبعوا أعضاءهم في فرضي وواجبي وقطعوا

قواطعهم لأجل التعلق بي، وحلموا عن الجهال خوفاً من غضبي، فإذا مروا على النار،

قالت: جرياً يا مؤمن فقد أطفأ نورك نورك لهبي.

إذا رأت النار من جاهد بالخير، وما خافت خافت، وإذا شاهدت نفوساً طال ما صافت صافت، وإذا عاينت أجساماً ما نبتت من الحرام وعافت عافت.

هلا تشبهت يا هذا بهؤلاء القوم، هلا تنبهت من هذا الرقاد والنوم، وأنت وقت العشاء نائم، وقلبك في حب شهوات البهائم [هائم] ، قل للذي ألجأه عاجل لهوه عن حظه، يحكي البهائم هائماً: أمسنا الفنا، خذ حكمة تخصنا بها، فانظر ولا تبغ الفنا يا نائم،

يا هذا: المحب يطرد فلا يزول وأنت تدعى فلا تجب.

كم ليلة ينادي - وأنت غائب -: هل من سائل؟ هل من تائب؟

فإن تمنعوا مني السلام فإنني ... لغاد على حيطانكم فمسلم

رحم الله عظماً طالما نصبت وانتصبت، فإذا جن الليل عليهم فتمكن وثبت وثبت، إن ذكرت عدله رهبت وهربت، وإن تفكرت فضله فرحت وطربت، اعترف عن طاعته أنها قد أذنبت، وقامت شاكرة لمن جمعها على إحسانه فنبت، لا حت لها ذنوبها فبكت عليها وندبت وصاحت بها ألسن الغفران، فاهتزت وربت:

قف بالديار فهذه آثارهم ... تبكي الأحبة حسرةً وتشوقاً

كم قد وقفت بها أسائل مخبراً ... عن أهلها أو صادقاً أو مشفقا

فأجابني داعي الهوى في رسمها ... فارقت من تهوى فعز الملتقى

طرق الخيال وقال لي يا مدعي ... أتنام بعد فراق جيران اللقى؟

وحياتكم قسماً بأني صادق ... لا طاب لي من بعدكم فيكم بقا

يا سادة مذ حملوا أجمالهم ... ما أورثني بعدهم إلا الشقا

أترى الأرض خلت منهم أم لم ترهم، كلا لو وصفت أعمالهم عرفناهم، أما الأحياء منهم، فالقطرة تجري مجراهم، أما أمواتهم فمعنى الأحبار معناهم.

قف يا هذا على قبورهم ونادهم، واستنشق ريح فضلهم، فهل المعاني في اجتهادهم ضائر الريحان معهم في وسادهم:

كم قد وقفت وأحبابي بمنزلة تبيت يقظاناً ولهاناً وأهلاناً

فهاجها حين حيانا النسيم بما ... سقيا وألقى بالجرع حينا

نبكي فيسعدنا كور المطى فهل ... نحن المشوقون فيها أم مطايانا

ولا من قطر الأشياء ما وجدت ... كوجدنا العيس بل رقت لشكوانا

<<  <   >  >>