[الفصل الثالث والعشرون: الصلاة]
اعلموا - إخواني - أن الله عز وجل قد قدر الصلوات وقدمها على غيرها من العبادات، وإنما يحافظ عليها من يعرف قدرها، ويرجو أجرها، ويخاف العقاب على تركها، وهذه صفة المؤمن، وإنما يتوانى عنها ناقص الإيمان إن تكاسل، وكافر إن تهاون.
قد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة» .
وروى في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة» .
وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «جعلت قرة عيني في الصلاة» .
وقد كان لله عز وجل عباد يحبون خدمته لشدة محبتهم إياه فيحضرون في الصلاة قلوبهم ويجمعون لأدائها هممهم.
وروى عن ابن زبير أنه كان إذ قام في الصلاة فكأنه عود من الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جزعاً أو حائطاً أو وجه حجر أو رحل فدقه وهو في الصلاة فذهبت ببعض ثوبه فما التفت، وكان إذا دخل بيته سكت أهل البيت، فإذا قام إلى الصلاة تحدثوا وضحكوا.
واعلموا - إخواني - أن من أحب المخدوم أحب الخدمة له، لو عرف العبد من يناجي، لم يقبل على غيره، والصلاة صلة بين العبد وبين ربه.
الستر الأول: الأذان، كالإذن في الدخول.
وستر التقريب الإقامة: فإذا كشف ذلك الغطاء لاح للمتقي قرة العي، فدخل في دائرة دار المناجاة «أرحنا بها يا بلال» ، فقد «جعلت قرة عيني في الصلاة» اكشف يا بلال ستر التقريب عن الحبيب.
يا بطال: لو سافرت بلداً لم تربح فيه حزنت على فوات [ربحك] وضياع وقتك، أفلا يبكي من دخل في الصلاة على قرة العين ثم خرج بغير فائدة.
يصلي فيرسلها كالطيور ... إذا أرسلت من حصار القفص
يقوم ويقعد مستعجلاً ... كمثل الطروب إذا ما رقص
إخواني: لا تقنعوا بالحركات، فإن الله لا ينظر إلى صوركم.
يا هذا: إنما يصاد الطائر بمحبوبه من الحب، ومحبوب القلب الطاهر ذكر الله عز وجل، فحرام على قلبك، على قلبك الحائم حول جيف الهوى، الق له حب الذكر على فخ الصدق في حديقة الصور لعله يقع في شبكة المعرفة.