أيها العبد: تفكر في دنياك كم قتلت، وتذكر ما صنعت بأقرانك، وما فعلت، واحذرها فإنها عما لا بد منه قد شغلت، وإياك أن تساكنها فإنها إن حلت رحلت.
روى عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «مر بشاة ميتة قد ألقاها أهلها، فقال: والذي نفسي بيده إن الدنيا أهون على الله من هذه على أهلها» .
وكان يقول في صفة الدنيا:«أولها عناء، وآخرها فناء.
حلالها حساب وحرامها عقاب.
من استغنى بها فتن، ومن افتقر إليها حزن، ومن سعى لها فاتته، ومن نأى عنها أتته، ومن نظر إليها أعمته، ومن بصر بها بصرته» .
وصفها بعض العلماء، فقال: جمة المصائب، رتقة المشارب، لا تفي لصاحب.
وقال يحيى بن معاذ: الدنيا خمر الشيطان: من شربها لم يفق إلا بين عساكر الموتى، نادماً بين الخاسرين قد ترك منها لغير ما جمع، وتعلق بحبل غرورها فانقطع، وقدم على من يحاسبه على الفتيل والنقير والقطمير، فيما انقرض عليه من الصغير والكبير، يوم تزل بالعصاة القدم، ويندم المسىء على ما قدم.
يا من حيات حياته بالآفات لوادغ، وأغراضه المنقلبة إليها منقلبة زوائغ، وشياطين هواه بينه وبين ما هو له نوازع، وسهام سهوه في لهو دينه بوالغ قد جرحت الحجر على قلبه فأنساه الحجر الدامغ، إن وعظ فساه، وإن قوم فزائغ، قلبه ملآن بالهوى، ومن التقى فارغ كأني بك، وسيف الممات في دم الحياة والغ، نازلك فانزلك بالنوى عن الأعالي النوابغ، وتقضي التيامن نبات سلب الحلي الصايغ، ومر إليك فمر عليك الشراب السايغ، وطمس شموس عزك المنيرات النوازغ وخرق دروع المنيعات السدايغ، أين من جمع الأموال وحماها، واهاً لمن جمعها واقتناها، تناهي أجله وما تناهي، كم سلبت الدنيا أقواماً أقواماً كانوا فيها وعادت عزهم أحلاماً أحلاما، فتفكر في حالهم كيف حال، وانظر إلى من مال إلى مال، وتدبر أحوالهم إلى ماذا آل، وتيقن أنك لا حق بهم بعد ليال، عمرك في مدة ونفسك معدود، وجسمك بعد مماتك مع دود، كم أملت أملاً فانقضى الزمان وفاتك، وما أراك تفيق حتى تلقى وفاتك، فاحذر زلل قدمك، وخف طول ندمك، واغتنم وجودك قبل عدمك، واقبل نصحي لا تخاطر بدمك.