يا هذا: طهر قلبك من الشوائب، فالمحبة لا تلقى إلا في قلب طاهر، إما رأيت الزارع يتخير الأرض الطيبة ويسقيها ويرويها ثم يثيرها ويقلبها، وكلما رأى حجراً ألقاه، وكلما شاهد ما يؤذي نحاه، ثم يلقي فيها البذر ويتعاهدها من طوارق الأذى؟ وكذلك الحق عز وجل إذا أراد عبداً لوداده حصد من قلبه شوك الشرك، وطهره من أوساخ الرياء والشك، ثم يسقيه ماء التوبة والإنابة، ويثيره بمسحأة الخوف والإخلاص، فيستوي ظاهره وباطنه في التقى، ثم يلقي فيه بذر الهدى، فيثمر حب المحبة، فحينئذ تحمد المعرفة وطناً ظاهراً، وقوتاً طاهراً، فيسكن لب القلب، ويثبت به سلطانها في رستاق البذر، فيسري من بركاتها إلى العين ما يفضها عن سوى المحبوب، وإلى الكف ما يكفها عن المطلوب، وإلى اللسان ما يحبسه عن فضول الكلام، وإلى القدم ما يمنعه من سرعة الإقدام، فما زالت تلك النفس الطاهرة رائضها العلم، ونديمها الحلم، وسجنها الخوف، وميدانها الرجاء، وبستانها الخلوة، وكنزها القناعة وبضاعتها اليقين، ومركبها الزهد، وطعامها الفكر، وحلواها الأنس، وهي مشغولة بتوطئة رحلها لرحيلها، وعين أملها ناظرة إلى سبيها، فإن صعد حافظاها، فالصحيفة نقية، وإن جاء البلاء فالنفس صابرة تقية، وإن أقبل الموت وجدها من الغش خلية، فيا طوبى لها إذا نوديت يوم القيامة:{يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية} .