للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الله أمر أن يسمع منك، وأن يقبل رأيك، ونحن نعمل على هذا. فقال جميع من حضر مثل قوله. فمضى ابن ميمون والترجمان ليحدراه من داره التي بحضرة دار البطيخ فدخلا إليه وهنآه وأخرجاه فسار في الماء إلى الحسنى دار الخلافة. والناس حوله يدعون له إلى صعد. وقد نظر في رقعة الأسامي فاختار منها المتقي لله، وصعد إلى رواق الخورنق فصلى ركعتين على الأرض، ثم جلس على السرير، وبايعه الناس باقي ينومه وأياماً بعد ذلك، وكل من بايعه أحلف على طاعته ونصيحته، وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه.

ودخلت من الغد أنا وجماعة من المرسومين بالمجالسة فبايعناه، وحجبه أبو القاسم سلامة أخو نجاح الطولوني، فوقف موضع الوزير عند ابن ميمون، فاستأذنته في الإنشاء فأذن فأنشدته:

شَهِيداهُ إنْ لَمْ تَظْلِمِيهِ نُحُولُ ... وَدَمْعٌ لَهُ فِي وَجْنَتَيْهِ هُمُولُ

وهي قصيدة كنت مدحت بها المكتفي بالله، فلما دخلت قال لي ابن ميمون أما عملت شعراً؟ وما كنت عملت - فقلت أعمل الساعة فقلبت مواضع القصيدة وكتبتها:

أَيُرْضِيكِ أَنْ تَضْني فَدامَ لَك الرِّضا ... سَيَقْصُرُ عَنْهُ حاسِدٌ وَعَذُلُ

تَقُولُ وَقَدْ أَفنَى هَواها تَصَبُّرِي ... فَوَجْدِي عَلَى طُولِ الزَّمَانِ يَطُولُ

تَجاوَزْتَ في شَكْوَى الْهَوى كُنْهَ قَدْرِهِ ... وَما هُوَ إلاَّ زَفْرَةٌ وَغَلِيلُ

<<  <   >  >>