للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الصحيحين أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (١).

وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، والحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة» (٢).

فالحج له شأن عظيم وفوائد كثيرة، ومن فوائده العظيمة أنه إذا كان مبروراً فجزاؤه الجنة والسعادة وغفران الذنوب، وهذه فائدة كبيرة وكسب لا يقاس بغيره.

والله جل وعلا جعل هذا البيت مثابة للناس وأمناً، كما قال جل وعلا: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} [البقرة: ١٢٥]، يثوبون إليه من كل مكان مرة بعد مرة، ولا يشبعون من المجيء إليه؛ لأن في المجيء إليه خيراً عظيماً وفوائد جمة، وهو مؤسس على توحيد الله والإخلاص له، قال تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود} [الحج: ٢٦]. فالله هيأ هذا البيت لخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليقيمه على توحيد الله، والإخلاص له، وعدم الإشراك به، وقد سئل عليه الصلاة والسلام عن أول بيت وضع للناس، قال: «هو المسجد الحرام» (٣). والله يقول في كتابه العظيم: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين} [آل عمران: ٩٦]. فهو أول بيت وضع للعبادة العامة، وقد بين سبحانه وتعالى أنه أسس على توحيد الله والإخلاص له.

فمن الواجب على كل مسلم قصد هذا البيت أن يخلص العبادة لله وحده، وأن يجتهد في أن تكون أعماله كلها لله وحده: في صلاته ودعائه، في طوافه وسعيه، وفي جميع عباداته؛ ولهذا قال الله تعالى: {وطهر بيتي} [الحج: ٢٦]، أي طهر مكان البيت من الشرك. "للطائفين"، وقد بدأ بالطواف؛ لأن الطواف لا يفعل إلا في هذا البيت العتيق، ما من عبادة في الدنيا فيها طواف إلا حول البيت العتيق، أما الطواف بالقبور


(١) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور برقم ١٥٢١، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم ١٣٥٠
(٢) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن مسعود برقم ٣٦٦٠، والترمذي في (الحج) باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة برقم ٨١٠
(٣) رواه البخاري في (أحاديث الأنبياء) باب قول الله تعالى: "ووهبنا لداود سليمان" برقم ٣٤٢٥، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) أول الكتاب (باب) برقم ٥٢٠

<<  <   >  >>