قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله سبحانه» وقال عليه الصلاة والسلام: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة علي ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» فقال الصحابة من هي يا رسول الله؟ قال:«من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي»، وهي العقيدة التي يجب التمسك بها والاستقامة عليها والحذر مما خالفها.
وأما المنحرفون عن هذه العقيدة والسائرون على ضدها فهم أصناف كثيرة، فمنهم عباد الأصنام والأوثان والملائكة والأولياء والجن والأشجار والأحجار وغيرها، فهؤلاء لم يستجيبوا لدعوة الرسل، بل خالفوهم وعاندوهم، كما فعلت قريش وأصناف العرب مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسألون معبوداتهم قضاء الحاجات، وشفاء المرضى، والنصر على الأعداء، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، فلمَّا أنكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده، استغربوا ذلك وأنكروه، وقالوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}
[ص: ٥]. فلم يزل صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلي الله وينذرهم من الشرك، ويشرح لهم حقيقة ما يدعو إليه حتى هدى الله منهم من هدى، ثم دخلوا بعد ذلك في دين الله أفواجاً، فظهر دين الله على سائر الأديان بعد دعوة متواصلة، وجهاد طويلٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، ثم تغيرت الأحوال، وغلب الجهل على أكثر الخلق حتى عاد الأكثرون إلي دين الجاهلية، بالغلو في الأنبياء والأولياء ودعائهم والاستغاثة بهم، وغير ذلك من أنواع الشرك، ولم يعرفوا معنى لا إله إلا الله كما عرف معناها كفار العرب، فالله المستعان.
ولم يزل هذا الشرك يفشوا في الناس إلي عصرنا هذا، بسبب غلبة الجهل وبعد العهد بعصر النبوة. وشبهة هؤلاء المتأخرين هي شبهة الأولين، وهي قولهم:{هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس: ١٨]{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣]. وقد أبطل الله هذه الشبهة وبين أن من عبد غيره كائناً من كان فقد أشرك به، وكفر، كما قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس: ١٨] فرد الله عليهم سبحانه بقوله: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون}[يونس: ١٨].