١١٧٥ - حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ , عَنْ عَائِشَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: ٦٠] هُوَ الرَّجُلُ يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ , وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ , وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ» قَالَ الشَّيْخُ: فَلَمَّا أَنْ لَزِمَ قُلُوبَهُمْ هَذَا الْإِشْفَاقُ , لَزِمُوا الِاسْتِثْنَاءَ فِي كَلَامِهِمْ , وَفِي مُسْتَقْبِلِ أَعْمَالِهِمْ , فَمِنْ صِفَةِ أَهْلِ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , لَا عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ , وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّكِّ فِي الْإِيمَانِ , لِأَنَّ الْإِيمَانَ إِقْرَارٌ لِلَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ , وَخُضُوعٌ لَهُ فِي الْعُبُودِيَّةِ , وَتَصْدِيقٌ لَهُ فِي كُلِّ مَا قَالَ وَأَمَرَ وَنَهَى. ⦗٨٦٥⦘ فَالشَّاكُّ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا كَافِرٌ لَا مَحَالَةَ , وَلَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا نَفْيُ التَّزْكِيَةِ لِئَلَّا يَشْهَدَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ وَكَوَامِلِهِ , فَإِنَّ مَنْ قَطَعَ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ شَهِدَ لَهَا بِالْجَنَّةِ , وَبِالرِّضَاءِ وَبِالرُّضْوَانِ , وَمَنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ كَانَ خَلِيقًا بِضِدِّهَا , أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْدَ بَعْضِ الْحُكَّامِ عَلَى شَيْءٍ تَافِهٍ نَزْرٍ , فَقَالَ لَهُ الْحَاكِمُ: لَسْتُ أَعْرِفُكَ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ عَنْكَ , ثُمَّ أَسْمَعُ شَهَادَتَكَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ لَنْ تَسْأَلَ عَنِّي أَعْلَمَ بِي مِنِّي أَنَا رَجُلٌ ذَكِّيٌّ عَدْلٌ , مَأْمُونٌ رَضِيٌّ , جَائِزُ الشَّهَادَةِ , ثَابِتُ الْعَدَالَةِ. أَلَيْسَ كَانَ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِضَعْفِ بَصِيرَتِهِ , وَقِلَّةِ عَقْلِهِ بِمَا دَلَّ الْحَاكِمَ عَلَى رَدِّ شَهَادَتِهِ , وَأَغْنَاهُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ , فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ قَطَعَ عَلَى نَفْسِهِ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَوْصَافِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ , وَحَكَمَ لِنَفْسِهِ بِالْخُلُودِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَقَعُ عَلَى مُسْتَقْبَلِ الْأَعْمَالِ وَمُسْتَأْنَفِ الْأَفْعَالِ وَعَلَى الْخَاتِمَةِ , وَبَقِيَّةِ الْأَعْمَارِ , وَيُرِيدُ إِنِّي مُؤْمِنٌ إِنْ خَتَمَ اللَّهُ لِي بِأَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ , وَإِنْ كُنْتُ عِنْدَ اللَّهِ مُثْبَتًا فِي دِيوَانِ أَهْلِ الْإِيمَانِ , وَإِنْ كَانَ مَا أَنَا عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرًا يَدُومُ لِي وَيَبْقَى عَلَيَّ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ بِهِ , وَلَا أَدْرِي هَلْ أُصْبِحُ وَأُمْسِي عَلَى الْإِيمَانِ أَمْ لَا؟ وَبِذَلِكَ أَدَّبَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ , قَالَ تَعَالَى: ⦗٨٦٦⦘ {وَلَا تَقُولَنَّ لشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤]. فَأَنْتَ لَا يَجُوزُ لَكَ إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَتَعْلَمُ أَنَّ قَلْبَكَ بِيَدِهِ يَصْرِفُهُ كَيْفَ شَاءَ أَنْ تَقُولَ قَوْلًا حَزْمًا حَتْمًا: إِنِّي أُصْبِحُ غَدًا مُؤْمِنًا , وَلَا تَقُولُ: إِنِّي أُصْبِحَ غَدًا كَافِرًا وَلَا مُنَافِقًا، إِلَّا أَنْ تَصِلَ كَلَامَكَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَتَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ , فَهَكَذَا أَوْصَافُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ