[باب ذكر اتباع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أيام خلافته سنن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم واتباع بعضهم لبعض]
قال الشيخ: وما وهبه الله تعالى لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم عامة، وزاد في العطية منه للخلفاء الأربعة من المنقبة الجليّة، والفضيلة الخطيرة، ما كانوا عليه من صريح المحبة، وصحيح الأخوة والمودة، وتقارب القلوب وتآلفها وتراحم النفوس وتعاطفها، وذلك من معجزات أطباع البشرية، مع ملكهم الدنيا ورئاستها، ووراثتهم الأرض وخلافتها، وتمهيدها ووطأة أهلها وتذليلهم رقاب عتاتهم وجبابرتها، من عربيها وعجميها في شرقها وغربها، وبرِّها وبحرها، وكثرة قضاياهم ⦗٣٦٤⦘ وأحكامهم بين أهلها، وما جدّ كل واحد منهم إلى تشريع شريعة لم تكن، وتسنين سنة تحدث، والحكم في معضلة تقع، وفتح أبواب مغلقة وقلوب مقفلة، وما يسنه في ذلك ويقضيه فسنة للمسلمين، ويحكم بها إلى يوم الدين.
وكل واحد منهم مستحسن لسنة من يكون قبله، وسالك طريقته، غير عائب له، ولا منكر عليه، فإذا انقضت مدة أحدهم وَوَرَّثَ اللهُ صاحبه من بعده خلافتَه، قفا أثره، وسلك طريقته فلم ينقض له حكما، ولم يغير له سنة، خلافاً لما عليه أبناء الدنيا وملوكها من تتبع أحدهم صاحبه حتى يبدل شرائعه، ويغير رسومه، وليبدي معائبه، ويظهر مثالبه، ضدّاً لأفعال الخلفاء الراشدين الذين برّأهم الله وصَفَّاهم من المعائب والمثالب.
والعلة في الأمر، الذي طهر الله به قلوب أوليائه من المؤمنين، وخصّ بذلك الخلفاء الراشدين: اجتماع القوم في مراد واحد، وهو الله وحده والدار التي عنده، وأن موردهم كان على عين الإيمان، فصدروا عنها رواءً منْ عللٍ بعد ⦗٣٦٥⦘ نهل، وبذلك وصفهم الله حين أيّد دينه ونبيه بهذه المنقبة التي وهبها لهم، حيث يقول:{هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين* وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم}.
فحسبك بقلوب تولّى الله تأليفها، وجمع شمل المحبة، بين أهلها.
وكذلك ذَكرهم عظيم منته عليهم فيما وهبه لهم من هذا الحق، حيث قال:{واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}.
فبذلك وعلى ذلك بحمد لله عاشوا متآلفين، وعليه ماتوا متفقين غير متحاسدين، ولا متقاطعين، ولا متدابرين، وعليه يجتمعون في حظيرة القدس في جوارب العالمين حيث ⦗٣٦٦⦘ يقول:{ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين* لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين}.