يستشهد ابْن بطة على هَذَا الْمَعْنى بِمَا أوردهُ من الْآيَات وَالْأَحَادِيث والْآثَار فِي بَابَيْنِ من أَبْوَاب الْإِبَانَة وهما الْبَاب السَّابِع وَالثَّامِن من الْجُزْء الثَّامِن
أما أَولهمَا فَهُوَ بَاب الْإِيمَان بِأَن الله قدر الْمَقَادِير قبل أَن يخلق السَّمَاوَات وَالْأَرضين وَمن خَالف ذَلِك فَهُوَ من الْفرق الهالكة وَأما ثَانِيهمَا فَهُوَ بَاب الْإِيمَان بِأَن الله تَعَالَى خلق الْقَلَم فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَكتب مَا هوكائن فَمن خَالفه فَهُوَ من الْفرق الهالكة
وجماع القَوْل فِي مرويات هذَيْن الْبَابَيْنِ أَن الله تَعَالَى قدر مقادير الْخَلَائق كلهَا قبل خلق السَّمَاوَات وَالْأَرضين بِخَمْسِينَ ألف سنة وَعلم بهَا أزلا وَأَن أول مَا خلق الله الْقَلَم ثمَّ أمره بِكِتَابَة مَا سَيكون إِلَى قيام السَّاعَة من خلق ورزق وبر وفجور وَرطب ويابس ثمَّ ختم الله عَلَيْهِ بعد الْفَرَاغ من كِتَابَة الْمَقَادِير فَكل مَا يجْرِي فِي الدُّنْيَا لم يكت إِلَّا بِالْقضَاءِ وَالْقدر السَّابِقين فِي الْأَزَل فَهُوَ تَعَالَى عَالم بِكُل شَيْء قبل وجوده جملَة وتفصيلا كعلمه بِهِ بعد وجوده فَعلم أهل الْجنَّة من أهل النَّار وَأهل السَّعَادَة من أهل الشَّقَاء وَكتب حَيَاة كل نفس وأجلها وَمَا يُصِيبهَا فِي الدُّنْيَا من خير أَو شَرّ وَمَا تعمله كل نفس فِي حَيَاتهَا مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن فَأهل الْجنَّة ميسرون لعمل أهل الْجنَّة وَأهل النَّار ميسرون لعمل أهل النَّار وَالنَّاس يعْملُونَ فِي الدُّنْيَا فِيمَا فرغ مِنْهُ كِتَابَة وتقديرا وعلما