فَلَا يُوجد شَيْء خَارج قَضَاء الله وَقدره لم يسْبق بِهِ علمه وَلم يجر بِهِ قلمه كَمَا جَاءَ بَيَان ذَلِك فِي حَدِيث سراقَة بن مَالك رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ قَالَ يَا رَسُول الله أنعمل لأمر فرغ مِنْهُ اَوْ لأمر نأتنفه فَقَالَ بل لأمر فرغ مِنْهُ فَقَالَ سراقَة ابْن مَالك يار سَوَّلَ الله فَفِيمَا الْعَمَل إِذا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ
وَفِي كِتَابَة الْمَقَادِير الأزلية جَاءَ قَوْله تَعَالَى {ن والقلم وَمَا يسطرون} وَقَوله عز وَجل {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} فدلت الْآيَة الأولى على أَن الله تَعَالَى أقسم بالقلم الَّذِي سطر الْمَقَادِير فِي الْأَزَل ودلت الْآيَة الثَّانِيَة على ان الْمَلَائِكَة الموكلين بِحِفْظ أَعمال الْعباد اليومي وكتابتها كَانُوا يستنسخون من الْكتاب السَّابِق الَّذِي كتبه الْقَلَم فِي أم الْكتاب أزلا فَيكون عمل الرجل اليومي مطابقا لما يستنسخ من اللَّوْح الْمَحْفُوظ كَمَا فسره بذلك حبر الْأمة عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
وَمَعَ ثُبُوت أزلية الْقدر بِالْكتاب وَالسّنة زعمت الْقَدَرِيَّة أَن الله تَعَالَى لم يقدر مقادير الْأَشْيَاء أزلا وَالْأَمر آنف لم يعلم بِهِ الله إِلَّا بعد وجوده تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا
قلت إِن أزلية الْقدر الإلهي مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ الرِّوَايَات من أَصْحَاب الْكتب السِّتَّة وَغَيرهم من عُلَمَاء السّنة الَّذين ألفوا فِي بَيَان مَذْهَب السّلف مثل الْآجُرِيّ فِي الشَّرِيعَة واللالكائي فِي شرح أصُول اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَشَيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية فِي كثير من مؤلفاته وَابْن الْقيم الجوزية فِي كِتَابه شِفَاء العليل وَالْبَيْهَقِيّ فِي الِاعْتِقَاد بِالْإِضَافَة إِلَى مَا رَود من ذَلِك فِي كثير من آيَات الله الْبَينَات المثبتة للقدر الأزلي لَهُ تَعَالَى هدفهم جَمِيعًا الرَّد على الْقَدَرِيَّة الْمُنكرَة لذَلِك