ثمَّ قَالَ يسْبق إِلَى أفهام كثير من النَّاس أَن الْقَضَاء وَالْقدر إِذا كَانَ قد سبق فَلَا فَائِدَة فِي الْأَعْمَال وَأَن مَا قَضَاهُ الرب سُبْحَانَهُ وَقدره لَا بُد من وُقُوعه فتوسط الْعَمَل لَا فَائِدَة فِيهِ وَفِيه سبق إِيرَاد هَذَا السُّؤَال من الصَّحَابَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأجَاب بِمَا فِيهِ الشِّفَاء وَالْهَدْي فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَليّ بن أبي طَالب كُنَّا فِي جَنَازَة فِي بَقِيع الْغَرْقَد فَأَتَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ مخصرة فَنَكس فَجعل ينْكث بمخصرته ثمَّ قَالَ مَا مِنْكُم من أحد مَا من نفس منفوسة إِلَّا كتب مَكَانهَا من الْجنَّة وَالنَّار وَإِلَّا قد كتبت شقية أَو سعيدة فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله أَفلا نَتَّكِل على كتَابنَا وَنَدع الْعَمَل فَمن كَانَ منا من أهل السَّعَادَة فسيصير إِلَى عمل السَّعَادَة وَمن كل من أهل الشقاوة فسيصير إِلَى عمل أهل الشقاوة فَقَالَ اعْمَلُوا فَكل ميسر أما أهل السَّعَادَة فييسرون لعمل أهل السَّعَادَة وَأما أهل الشَّقَاء فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثمَّ قَرَأَ {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى وَصدق بِالْحُسْنَى فسنيسره لليسرى وَأما من بخل وَاسْتغْنى وَكذب بِالْحُسْنَى فسنيسره للعسرى}
ثمَّ قَالَ بعد أَن أورد عدَّة رِوَايَات فِي هَذَا الْبَاب فاتفقت هَذِه الْأَحَادِيث ونظائرها على أَن الْقدر السَّابِق لَا يمْنَع الْعَمَل وَلَا يُوجب الاتكال عَلَيْهِ بل يُوجب الْجد وَالِاجْتِهَاد وَلِهَذَا قَالَ بعض الصَّحَابَة لما سمع هَذَا الحَدِيث مَا كنت أَشد اجْتِهَادًا مني الْآن وَهَذَا مِمَّا يدل على جلالة فقه الصَّحَابَة ودقة أفهامهم وَصِحَّة علومهم فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبرهُم بِالْقدرِ السَّابِق وجريانه على الخليقة بالأسباب فَإِن العَبْد ينَال مَا قدر لَهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي أقدر عَلَيْهِ وَمكن مِنْهُ