وَمن الجدير بِالذكر أَن ابْن بطة قد أجَاب عَمَّا قد يسْتَشْكل فِي هَذَا الْمقَام حَيْثُ يُوجد هُنَاكَ أَدِلَّة أُخْرَى على خلاف مَا تقدم يُسْتَفَاد مِنْهَا جَوَاز الْكَلَام والمناقشة فِي مَسْأَلَة الْقدر وَإجَابَة عَن هَذَا الْإِشْكَال قَالَ مَا نَصه
فَإِن قَالَ قَائِل هَذَا فقد رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَعَن جمَاعَة من التَّابِعين وفقهاء الْمُسلمين أَنهم تكلمُوا فِيهِ وفسروا آيَات من الْقُرْآن يدل ظَاهرهَا وتفسيرها على الْعلم بِالْقدرِ وَقد رَأينَا جمَاعَة من الْعلمَاء ألفوا فِيهِ كتبا وصنفوه أبوابا وَرووا أَيْضا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تعلمُوا من الْقدر مَا لَا تضلون وَهَذَا مُخَالف لقَوْله إِذا ذكر الْقدر فأمسكوا فإنني أرجع إِلَيْهِ بِجَوَاب مَا سَأَلَ عَنهُ من ذَلِك بِأَن أَقُول لَهُ اعْلَم رَحِمك الله أَن كلا الْوَجْهَيْنِ صَحِيحَانِ وكلا الْأَمريْنِ وَاجِب الْقبُول لَهما وَالْعَمَل بهَا وَذَلِكَ ان الْقدر على وَجْهَيْن احدهما فرض علينا علمه ومعرفته وَالْإِيمَان بِهِ والتصديق بِجَمِيعِهِ وَالْآخر فَحَرَام علينا التفكير فِيهِ وَالْمَسْأَلَة عَنهُ والمناظرة عَلَيْهِ وَالْكَلَام لأَهله وَالْخُصُومَة بِهِ فَالْوَاجِب علينا علمه والتصديق بِهِ وَالْإِقْرَار بِجَمِيعِهِ أَن نعلم أَن الْخَيْر وَالشَّر من الله وَأَن الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة بِقَضَاء الله وَقدره وان مَا أَصَابَنَا لم يكن ليخطئنا وَمَا اخطأنا لم يكن ليصيبنا وَأَن الله خلق الْجنَّة وَخلق لَهَا أَهلا وعلمهم بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم ووفقهم لأعمال الصَّالِحَة رضيها أَمرهم بهَا فوفقهم لَهَا وَأَعَانَهُمْ عَلَيْهَا وشكرهم بهَا وأثابهم الْجنَّة عَلَيْهَا تفضلا مِنْهُ وَرَحْمَة وَخلق النَّار وَخلق لَهَا أَهلا أحصاهم عددا وَعلم مَا يكون مِنْهُم وَقدر عَلَيْهِم مَا كرهه لَهُم خذلهم بهَا وعذبهم لأَجلهَا غير ظَالِم لَهُم وَلَا هم معذورون فِيمَا حكم عَلَيْهِم بِهِ فَكل هَذَا وأشباهه من علم الْقدر الَّذِي لزم الْخلق علمه وَالْإِيمَان بِهِ وَالتَّسْلِيم لأمر الله وَحكمه وقضائه وَقدره لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون
وَسَيَأْتِي من علم الْقدر وَمَا يجب على الْمُسلمين علمه والمعرفة بِهِ وَمَا لَا يسعهم جَهله مشروحا مفصلا فِي أبوابه على مَا جَاءَ نَص التَّنْزِيل وَمَضَت بِهِ سنة