١٨٥٣ - وَحَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَافْلَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَا , وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شِهَابٍ، قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ الطَّائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي مُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالِاقْتِصَادِ فِي أَمْرِهِ , وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ فِي دِينِهِمْ مِمَّا قَدْ كُفُوا مُؤْنَتَهُ , وَجَرَتْ فِيهِمْ سُنَّتُهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ بِدْعَةٌ قَطُّ إِلَّا وَقَدْ مَضَى قَبْلَهَا مَا هُوَ عِبْرَةٌ فِيهَا وَدَلِيلٌ عَلَيْهَا، فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ؛ ⦗٢٤٨⦘ فَإِنَّهَا لَكَ بِإِذْنِ اللَّهِ عِصْمَةٌ، وَأَنَّ السُّنَّةَ إِنَّمَا جُعِلَتْ سُنَّةً لِيُسْتَنَّ بِهَا , وَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا سَنَّهَا مَنْ قَدْ عَلِمَ مَا فِي خِلَافِهَا مِنَ الزَّلَلِ وَالْخَطَأِ وَالْحُمْقِ وَالتَّعَمُّقِ، فَارْضَ لِنَفْسِكَ بِمَا رَضَوْا بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّهُمْ عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا , وَبِبَصَرِنَا قَدْ كُفُوا، وَلَهُمْ عَنْ كَشْفِهَا كَانُوا أَقْوَى , وَبِفَضْلٍ لَوْ كَانَ فِيهَا أَحْرَى , وَأَنَّهُمْ لَهُمُ السَّابِقُونَ، فَلَئِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ، لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ، وَلَئِنْ قُلْتَ: حَدَثَ حَدَثٌ بَعْدَهُمْ مَا أَحْدَثَهُ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ، وَلَقَدْ وَصَفُوا مِنْهُ مَا يَكْفِي، وَتَكَلَّمُوا مِنْهُ بِمَا يَشْفِي، فَمَا دُونَهُمْ مُقَصِّرٌ , وَلَا فَوْقَهُمْ مُجَسِّرٌ، لَقَدْ قَصَّرَ أُنَاسٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ آخَرُونَ عَنْهُمْ فَغَلَوْا، وَأَنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ، سَأَلْتَنِي عَنِ الْقَدَرِ، وَمَا جَحَدَ مِنْهُ مَنْ جَحَدَ، فَعَلَى الْخَبِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَقَطْتَ، وَذَلِكَ أَرَى الَّذِي أَرَدْتَ فَمَا أَعْلَمُ أَمْرًا مِمَّا أَحْدَثَ النَّاسُ فِيهِ مُحْدَثَةً أَوِ ابْتَدَعُوا فِيهِ بِدْعَةً أَبْيَنَ أَثَرًا وَلَا أَثْبَتَ أَصْلًا وَلَا أَكْثَرَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، أَهْلًا مِنَ الْقَدَرِ، لَقَدْ كَانَ ذَكَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْجُهَلَاءُ، مَا أَنْكَرُوا مِنَ الْأَشْيَاءِ يَذْكُرُونَهُ فِي شِعْرِهِمْ وَكَلَامِهِمْ وُيُعَزُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ فِيمَا فَاتَهُمْ، ثُمَّ مَا زَادَهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً، لَقَدْ كُلِّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ وَلَا اثْنَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةٍ، وَلَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَسَمِعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ، وَتَكَلَّمُوا بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقِينًا وَتَسْلِيمًا وَتَضْعِيفًا لِأَنْفُسِهِمْ، وَتَعْظِيمًا لِرَبِّهِمْ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ، وَلَمْ يُحْصِهِ كِتَابُهُ، وَلَمْ يَمْضِ بِهِ قَدَرُهُ، إِنَّ ذَلِكَ مَعَ ذَلِكَ لَفِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ، لَمِنْهُ اقْتَبَسُوهُ وَلُبَّهُ عَلِمُوهُ، فَلَئِنْ قُلْتُمْ: أَيْنَ آيَةُ كَذَا؟ وَأَيْنَ آيَةُ كَذَا؟ وَلِمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَذَا؟ لَقَدْ قَرَءُوا مِنْهُ مَا قَرَأْتُمْ، وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ مَا جَهِلْتُمْ، ثُمَّ آمَنُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِهِ كُلِّهِ بِالَّذِي جَحَدْتُمْ فَقَالُوا: قَدَّرَ وَكَتَبَ، وَكُلُّ شَيْءٍ بِكِتَابٍ وَقَدَرٍ، وَمَنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ ⦗٢٤٩⦘ الشِّقْوَةُ وَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا نَمْلِكُ لِأَنْفُسِنَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ رَغِبُوا مَعَ قَوْلِهِمْ هَذَا، وَرَهِبُوا وَأَمَرُوا وَنَهَوْا، وَحَمِدُوا رَبَّهُمْ عَلَى الْحَسَنَةِ، وَلَامُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْخَطِيئَةِ، وَلَمْ يَعْذِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْقَدَرِ، وَلَمْ يُمَلِّكُوهَا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَعَظَّمُوا اللَّهَ بِقَدْرِهِ، وَلَمْ يُعْذِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِهِ، وَحَمِدُوا اللَّهَ عَلَى مَنِّهِ، وَلَمْ يَنْحَلُوهُ أَنْفُسَهُمْ دُونَهُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: ٨٥]، وَقَالَ {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: ٥٩]، فَكَمَا كَانَ الْخَيْرُ مِنْهُ، وَقَدْ نَحَلَهُمْ عَمَلَهُ، فَكَذَلِكَ كَانَ الشَّرُّ مِنْهُ، وَقَدْ مَضَى بِهِ قَدَرُهُ، وَإِنَّ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ بِاتِّبَاعِهِمْ فِي الْقَدَرِ لَأَهْلُ التَّنْزِيلِ، الَّذِينَ تَلَوْهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ، فَعَمِلُوا بِمُحْكَمِهِ، وَآمَنُوا بِمُتَشَابِهِهِ، وَكَانُوا بِذَلِكَ مِنَ الْعِلْمِ فِي الرَّاسِخِينَ، ثُمَّ وَرَّثُوا عِلْمَ مَا عَلِمُوا مِنَ الْقَدَرِ وَغَيْرِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ، فَمَا أَعْلَمُ أَمْرًا شَكَّ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، لَا يَكُونُ أَعْظَمَ الدِّينَ أَعْلَى وَلَا أَفْشَى وَلَا أَكْثَرَ وَلَا أَظْهَرَ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ، لَقَدْ آمَنَ بِهِ الْأَعْرَابِيُّ الْجَافِي، وَالْقُرَوِيُّ الْقَارِي، وَالنِّسَاءُ فِي سُتُورِهِنَّ، وَالْغِلْمَانُ فِي حَدَاثَتِهِمْ، وَمَنْ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ قَوِيِّ الْمُسْلِمِينَ وَضَعِيفِهِمْ، فَمَا سَمِعَهُ سَامِعٌ قَطُّ فَأَنْكَرَهُ، وَلَا عُرِضَ لِمُتَكَلِّمٍ قَطُّ إِلَّا ذَكَرَهُ، لَقَدْ بَسَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَعْرِفَةَ، وَجَمَعَ عَلَيْهِ الْكَلِمَةَ، وَجَعَلَ عَلَى كَلَامِ مَنْ جَحَدَهُ النُّكْرَةَ، فَمَا مَنْ جَحَدَهُ وَلَا أَنْكَرَهُ فِيمَنْ آمَنَ بِهِ وَعَرَفَهُ مِنَ النَّاسِ إِلَّا كَأَكَلَةِ رَأْسٍ. ⦗٢٥٠⦘ فَاللَّهَ اللَّهَ، فَلَوْ كَانَ الْقَدَرُ ضَلَالَةً، مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كَانَتْ بِدْعَةً فَعَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مَتَى كَانَتْ، فَقَدْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مَتَى أُحْدِثَتِ الْمُحْدَثَاتُ وَالْبِدَعُ وَالْمُضِلَّاتُ. وَإِنَّ أَصْلَ الْقَدَرِ لَثَابِتٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، يُعَزِّي بِهِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَصَائِبِهِمْ بِمَا سَبَقَ مِنْهَا فِي الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ، يُرِيدُ بِذَلِكَ تَسْلِيَتَهُمْ، وَيُثَبِّتُ بِهِ عَلَى الْغَيْبِ يَقِينَهُمْ، فَسَلَّمُوا لِأَمْرِهِ، وَآمَنُوا بِقَدَرِهِ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ مُبْتَلَوْنَ، وَأَنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ غَيْرُ مُمَلَّكِينَ وَلَا مُوَكَّلِينَ، قُلُوبُهُمْ بِيَدِ رَبِّهِمْ، لَا يَأْخُذُونَ إِلَّا مَا أَعْطَى، وَلَا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا قَضَى، قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ إِنْ وَكَّلَهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ ضَاعُوا، وَإِنْ عَصَمَهُمْ مِنْ شَرِّهَا أَطَاعُوا، هُمْ بِذَلِكَ مِنْ نِعْمَتِهِ عَارِفُونَ، كَمَا قَالَ نَبِيُّهُ وَعَبْدُهُ الصِّدِّيقُ {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: ٣٣]، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: ٥٣]، فَتَبَرَّأَ إِلَى رَبِّهِ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَبَاءَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْخَطِيئَةِ، فَكَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أُسْوَةٌ، وَكَانُوا لَهُ شِيعَةً، لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ تَعَالَى الْقَدَرَ وَالْبَلَاءَ مُخْتَلِفًا فِي صُدُورِهِمْ، وَمَنَعَ الشَّيْطَانَ أَنْ يُدْخِلَ الْوَسْوَسَةَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَقُولُوا: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا؟ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ ابْتَلَاهُمْ، وَأَنَّ قَدَرَهُ نَافِذٌ فِيهِمْ، لَيْسَ هَذَا عِنْدَهُمْ بِأَشَدَّ مِنْ هَذَا، وَلَا يُوهِنُ هَذَا عِنْدَهُمْ هَذَا، يَحْتَالُونَ لِأَنْفُسِهِمْ كَحِيلَةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِيَدِهِ، وَيُؤْمِنُونَ بِالْقَدَرِ إِيمَانَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى أَمْرِهِ، فَلَمْ يُبَطِّيهِمُ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَلَمْ يُلْقُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ مِنْ أَجْلِهِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْبَلَاءِ مِنْ مُلْكِهِ، فَهُمْ يُطْلَبُونَ وَيَهْرَبُونَ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَدَرِ يُوقِنُونَ، لَا يَأْخُذُونَ إِلَّا مَا أَعْطَاهُمْ، وَلَا يُنْكِرُونَ أَنَّهُ ابْتَلَاهُمْ، ⦗٢٥١⦘ كَذَلِكَ خَلَقَهُمْ، وَبِذَلِكَ أَمَرَهُمْ، يُضْعِفُونَ إِلَيْهِ فِي الْقُوَّةِ وَيُقِرُّونَ لَهُ بِالْقُدْرَةِ وَالْحُجَّةِ، لَا يَحْمِلُهُمْ تَضْعِيفُهُمْ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَجْحَدُوا حُجَّتَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَحْمِلُهُمْ عِلْمُهُمْ بِعُذْرِهِ إِلَيْهِمْ أَنْ يَجْحَدُوا أَنَّ قَدَرَهُ نَافِذٌ فِيهِمْ، هَذَا عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ وَهُمْ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ أَغْنِيَاءُ، وَقَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فِتْنَةِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَفْتَحْهَا عَلَيْهِمْ وَفَتَحَهَا عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ، لَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ، فَهُمْ هُنَالِكَ فِي غَمْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، لَا يَجِدُونَ حَلَاوَةَ الْحَسَنَةِ فِيمَا قُدِّرَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُصِيبَةِ حِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ مَمْلُوكُونَ أَنْ يُقَدِّمُوهَا قَبْلَ أَجَلِهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا، فَسُبْحَانَ اللَّهِ ثُمَّ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَهَلُمَّ يَا عِبَادَ اللَّهِ إِلَى سَبِيلِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي كُنْتُمْ مَعَهُمْ عَلَيْهَا، فَانْبَجَسْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ دُونَهَا، فَتَفَرَّقَتْ بِكُمُ السُّبُلُ عَنْهَا، فَارْجِعُوا إِلَى مَعَالِمِ الْهُدَى مِنْ قَرِيبٍ، قَبْلَ التَّحَسُّرِ وَالتَّنَاوُشِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ، فَقُولُوا كَمَا قَالُوا، وَاعْمَلُوا كَمَا عَمِلُوا، وَلَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعُوا وَلَا تَجْمَعُوا بَيْنَ مَا فَرَّقُوا، فَإِنَّهُمْ قَدْ جُعِلُوا لَكُمْ أَئِمَّةً وَقَادَةً، وَحَمَلُوا إِلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُمْ عَلَيْهِ أُمَنَاءُ وَعَلَيْكُمْ فِيمَا جَحَدْتُمْ مِنْهُ شُهَدَاءُ، فَلَا تَجْحَدُوا مَا أَقَرُّوا بِهِ مِنَ الْقَدَرِ فَتَبْتَدِعُوا، وَلَا تَشُدُّوهُ بِغَيْرِهِ فَتَكَلَّفُوا، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَصَحَّ قَلْبًا فِي الْقَدَرِ مِمَّنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّ أَحَدًا قَالَ فِيهِ شَيْئًا، فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِهِ غَضًّا جَدِيدًا لَمْ تُدَنِّسْهُ الْوَسَاوِسُ وَلَمْ يُوهِنْهُ الْجَدَلُ وَلَا الِالْتِبَاسُ، وَبِذَلِكَ فِيمَا مَضَى صَحَّ فِي صَدْرِ النَّاسِ، فَاحْذَرُوا هَذَا الْجَدَلَ؛ فَإِنَّهُ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى كُلِّ مُوبِقَةٍ، وَلَا يُسَلِّمُكُمْ إِلَى ثِقَةٍ، لَيْسَ لَهُ أَجْلٌ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَهُوَ يَدْخُلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَالْمَعْرِفَةُ بِهِ نِعْمَةٌ، وَالْجَهَالَةُ بِهِ غِرَّةٌ، وَعَلَامَاتُ الْهُدَى ⦗٢٥٢⦘ لَنَا دُونَهُ، مَنْ رَكِبَهُ أَرْدَاهُ، وَتَرَكَ الْهُدَى وَرَاءَهُ، بَيِّنٌ أَثَرُهُ، وَقَرِيبٌ مَا أَخَذَهُ، لَا يُكَلِّفُ أَهْلَهُ الْعَوِيصَ وَالتَّشْقِيقَ ". ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقُرْآنِ مَوْئِلٌ مِثْلُ السُّنَّةِ، فَلَا يَسْقُطَنَّ ذَلِكَ عَنْكَ فَتَحَيَّرَ فِي دِينِكَ وَتَتِيهَ فِي طَرِيقِكَ {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدَعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: ٧١]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute