الَجْزُءُ الثَّانِي عَشَرَ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ،
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الزَّاغَوَانِيُّ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ بِنَهْرِ مُعَلًّى فِي الْخَرِيمِ قَالَ: ⦗٢٠٦⦘ أَخْبَرْنَا الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْيُسْرِيِّ بِبَابِ الْمَرَاتِبِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حِمْدَانَ بْنِ بَطَّةَ إِجَازَةً: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ الْقَدِيمِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ، الدَّائِمِ ⦗٢٠٧⦘ الْبَاقِي إِلَى غَيْرِ أَجَلٍ، خَلَقَ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِهِ، حُجَّةً ⦗٢٠٨⦘ لِنَفْسِهِ، وَدَلَالَةً عَلَى رُبُوبِيَّتِه، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، تَفَرَّدَ بِالْإِنْشَاءِ، وَجَلَّ عَنْ شِبْهِ الْأَشْيَاءِ، سُبْحَانَهُ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ ⦗٢٠٩⦘ الْمُشْرِكُونَ، وَيَقُولُ فِيهِ الْعَادِلُونَ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ مَنْ أَخْلَصَ لِرَبِّهِ، وَخَلَعَ الْأَنْدَادَ مِنْ دُونِهِ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، ⦗٢١٠⦘ وَدُرُوسٍ مِنَ الْوَحْيِ فِي أَعْقَابِ الْمُرْسَلِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْعَالَمِينَ، وَالْخَلْقُ جَاهِلِيَّةٌ جُهَلَاءُ، صُمٌّ بُكْمٌ عَنِ الْهُدَى، مُتَمِسِّكُونَ بِعُرْوَةِ الضَّلَالَةِ وَالرَّدَى؛ فَدَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْإَقِرْاَرِ لَهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ، ⦗٢١١⦘ فَصَبَرَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى، حَتَّى ظَهَرَتْ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَأَخْلَصَ لَهُ التَّوْحِيدَ، وَعَلَا دِينُ اللَّهِ عَلَىَ كُلِّ دِينٍ. ثُمَّ تَوَفَّاهُ اللَّهُ بَعْدَ تَبْلِيغِهِ رِسَالَاتِ رَبِّهِ، وَالْقِيَامِ لِلَّهِ فِي خَلْقِهِ بِحَقِّهِ. فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ مَا صَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَعْطَاهُ أَفْضَلَ مَا أَعْطَى الْعَالَمِينَ، وَغَايَةَ رَغْبَةِ الرَّاغِبِينَ، وَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرَ مَا جَزَى الْمُحْسِنِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَأصْحَابِهِ الْمُنْتَجِبِينَ، وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ ⦗٢١٢⦘ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَنَا بِالْإِحْسَانِ لَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، ثُمَّ عَلَى إِثْر ذَلِكَ فَإِنِّي أَجْعَلُ أَمَامَ الْقَوْلِ إِيعَازَ النَّصِيحَةِ إِلَى إِخْوَانِي الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَتَمَسَّكُوا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، الذَّيِنَ شَرَحَ اللَّهُ بِالْهُدَى صُدُورَهُمْ، وَأَنْطَقَ بِالْحِكْمَةِ أَلْسِنَتَهُمْ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمْ سُرَادِقَ ⦗٢١٣⦘ عِصْمَتِهِ، وَأَعَاذَهُمْ مِنْ كَيْدِ إِبْلِيسَ وَفِتْنَتِهِ، وَجَعَلَهُمْ رَحْمَةً وَبَرَكَةً عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُمْ، وَأُنْسًا وَحَيَاةً لِمَنْ سَلَكَ طَرِيقَهُمْ، وَحُجَّةً وَعَمًى عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥]. وَأُحَذِّرُهُمْ مَقَالَةَ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَشِيعَتِهِ الَّذِينَ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وَحَجَبَ عَنْ سُبُلِ الْهُدَى أَبْصَارَهُمْ، حَتَّى افْتَرُوا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ، وَأَوْرَثَ الْقَائِلِينَ بِهِ نَارَ الْخُلُودِ، فَزَعَمُوا أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، وَالْقُرْآنُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهِ صِفَاتُهُ الْعُلْيَا وَأَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ كَانَ وَلَا عِلْمَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ وَصِفَاتَهُ ⦗٢١٤⦘ مَخْلُوقَةٌ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ مَخْلُوقٌ مُحْدَثٌ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا تَقُولُهُ الْجَهْمِيَّةُ الْمُلْحِدَةُ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَكُلَّمَا تَقُولُهُ وَتَنْتَحِلُهُ فَقَدْ أَكْذَبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ، وَفِي سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فِي السَّابِقِينَ وَالْغَابِرِينَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ عَلِيمًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا، تَامًّا بِصِفَاتِهِ الْعُلْيَا وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، قَبْلَ كَوْنِ الْكَوْنِ، وَقَبْلَ خَلْقِ الْأَشْيَاءِ، لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُهُ إِلَّا الضَّالُّ الْجَحُودُ الْجَهْمِيُّ الْمُكَذِّبُ ⦗٢١٥⦘ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَسَنَذْكُرُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَا دَلَّ عَلَى كُفْرِ الْجَهْمِيِّ الْخَبِيثِ وَكَذِبِهِ، مَا إِذَا سَمِعَهُ الْمُؤْمِنُ الْعَاقِلُ الْعَالِمُ ازْدَادَ بِهِ بَصِيرَةً وَقُوَّةً وَهِدَايَةً، وَإِنْ سَمِعَهُ مَنْ قَدْ دَاخَلَهُ بَعْضُ الزَّيْغِ وَالرَّيْبِ، وَكَانَ لِلَّهِ فِيهِ حَاجَةٌ وَأَحَبَّ خَلَاصَهُ وِهَدَايَتَهُ نَجَّاهُ وَوَقَاهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ قَدْ كَتَبَ عَلَيْهِ الشِّقْوَةَ زَادَهُ ذَلِكَ عُتُوًّا وَكُفْرًا وَطُغْيَانًا.
وَنَسْتَوْقِفُ اللَّهَ لِصَوَابِ الْقَوْلِ وَصَالِحِ الْعَمَلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute